حرمة الدماء وشهر الحرمات.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

حرمة الدماء وشهر الحرمات.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٩ يوليو ٢٠١٥

يقولون: إن إنسان هذا العصر حضاري في فكره وعلمه، وحضاري في إبداعه وعمرانه، والواقع أنه متوحش في أطماعه وأنانيته، وبدائي في نظرته للحياة والإنسان؛ فلننظر من غير مسافات ألا نرى فقيراً يكابد فقراً، وغنياً بدل نعمة الله كفراً..! ألا نرى لحوم البشر تمزق بمخالب بلا رحمة ولا هوادة؟! فما الذي دفع بالإنسان إلى هذه الوحشية غير الأطماع والجهالة والاستعلاء والكبر؟! باسم الله يعتدي الإنسان على حرمة الإنسان، وباسم دين الله تشحذ الخناجر المسمومة لبقر البطون وإلقائها في العراء، فأين هذا الإنسان من القيم الإنسانية والتعاليم الربانية؟! أين حقوق الإنسان وحقوق احترام سيادة الدول في ظل شعارات الأدعياء وأطماع الأقوياء؟! نحن في شهر الصفاء وتزكية النفوس؛ في شهر الحرمات وصلة الأرحام؛ في شهر الحرمة والتسامي، في شهر المحاسبة والتوبة؛ فأين نحن وأين هذه الأمة من معاني الصيام الحقيقية؟ بل أين نحن من أبسط مفاهيم كلمات؛ دين رباني وإسلام؟ إننا نعلن في إثبات شرعي بدء الصيام مؤقتاً عن الطعام وأيدينا تقطر دماً من لحوم الأطفال والنساء، ومن ثم نحن مفطرون لم نصم عن الكراهية وعن الحسد والأحقاد، وعن استغلال الأموال بغير وجه شرعي، ولم نصم عن التفرق وعن حبّ أنفسنا وحبّ من ينافق لنا ويضحك على غرائزنا، حتى أسكرنا ذلك عن هوية وطننا ومصلحة شامنا وبلدنا، وعن التضحية في سبيل سلامته قبل سلامتنا وسلامة حاجاتنا، وهذا على منظور عروبتنا وإسلامياتنا المنكوبة بآثار صنائعنا.. العالم الإسلامي أصبح اليوم حماماً للدماء ومستنقعاً للمفاسد وحلبة لصراع الأقوياء، ثم لا نزال نمدد وشائج الاسترضاء ومعاقد التوثيق مع صنّاع البلاء والكوارث فينا وفي العالم كله، ونتنكر ونهجر دولة شقيقة مؤمنة إيثاراً لشيطان إسرائيل وأميركا، وقد كان العهد الإيماني دينياً وأخوياً أن نكون كالبنيان المرصوص!.. لقد كشفت سورية بحكمة قيادتها هوية كذب هذا التدين ونفاق هذه الأخوة العربية الإسلامية التي غضب الله على كبرائها، وورث عالمنا منها ما نرى!! هل رأيتم أمة في الشرق أو الغرب المتاخمة لحدودنا يعاني فيها الإنسان ما نعانيه في عالمنا؟ هل رأيتم أمة تتآمر على مصيرها ويهدم مجدها أبناؤها، ويثير النقع في ساحاتها غير هذه الأمة الصائمة؟! في العالم الغربي مئات الاتجاهات الفكرية وآلاف الجنسيات البشرية، ولكنهم جميعاً يعيشون حياة غير حياتنا مع أننا نعيب عليهم أخلاقهم، ولكن أين أخلاقنا في المقابل؟! نزعم أننا أمة الأخلاق حيث نملك المبادئ الأخلاقية في ديننا، وهذا حق لا شك فيه – ولكن ما موقعنا من هذه المبادئ؟! هل صحيح أننا نحب لبعضنا ما نحب لأنفسنا؟ بل هل نحن بذلك وبما ينطق به الزمن الحاضر مؤمنون قد صح فينا قوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)؟؛ فمن  المؤمن المتدين حقاً؟ والصائم حقاً؟ والطائع حقاً الشجاع في دين الله؟ ويغالب نفسه وهواه، ويقول نعم للتسامح والإصلاح والمصالحة ولحقن هدر الحقوق والدماء، نعم سمعنا وأطعنا؟! إنها أجمل لحظة زمنية وفرصة إنسانية وطنية وإسلامية تستأنس لها النفوس، نجدها اليوم في رمضان شهر الإخاء بين المؤمنين، شهر وحدة الأمة في مشاعرها وأهدافها واتجاهاتها، لأشهر التخمة والتسلية، والكسل والتثاؤب؛ نتمطى على المهانة، وندفن رؤوسنا في المذلة، كم نتحدث عن أسرار الصيام وأحكامه، وكم نلوك مبادئ القرآن العظيم ونتقعر في قلقلة مواقفه وتجويده، ولا نقف عند حدوده وأهدافه؟ هل تنتظرون من إسرائيل أن تحقن دماءنا؟ هل ننتظر من مستعمر خبيث قد خبرناه أن يرحم أطفالنا ويحل مشاكل الحدود بيننا؟ إن كل خلاف زرعوه في الصدور الضيقة الحمقاء هم يغذونه في هذه الأمة حتى لا تفيق الأمة من سكرة الخلاف؛ القرآن حقائق إلهية ونواميس كونية لا يمكن للبشر مهما كانت قوتهم وبطشهم أن يطمسوا حقائق كلماته التي تحمل قوة انتصارها في كل ميدان، ولكن البشرية والمؤتمنين على هذه الرسالة هم المسؤولون بين يدي الله تعالى عما قصروا به وأعرضوا عنه، وعما اجترحوه في حق بني آدم!.. فيا من تصومون شهر الله، وترددون كلام الله، لا يغني عنكم الصيام في ظل الخلافات، ولا تنفعكم أحاديث المبرات والصدقات في ظل المكر الخادع والقلوب الحاقدة: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمرَ بصدقةٍ أو معروف أو إصلاح بين الناس).
يتبع