الصبر.. الصبر.. وماذا؟.. بقلم: د. إسماعيل مروة

الصبر.. الصبر.. وماذا؟.. بقلم: د. إسماعيل مروة

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٧ يوليو ٢٠١٥

تعبيرات جوفاء، فرح بها أصحابها الذين ظنوا البداهة والاختراع، ونتيجة غيابة المسكة اللغوية، والمحاكمة الفكرية، صاروا يتبارون في مصطلحات ويروجون لها، مثل الانتظار، الصبر، وما شابه ذلك، وهذه الكلمات موجودة في اللغة، وفي لغات العالم، لكنها لم تتحول إلى مصطلحات تدعو إلى الكسل والانهزام إلا في مجتمعاتنا الشرقية والعربية!
الانتظار معنى لغوي عادي وجميل، لكن عندنا تحوّل إلى فلسفة جوهرها الكسل، والبقاء في انتظار من قد لا يأتي، وترقب ما لا يأتي، وقد حفلت كتبنا بالقصص التي تدفع إلى محاولة مجابهة الأشياء، وعدم الاكتفاء بالانتظار، فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، ومع ذلك لا نتوقف عن الانتظار من دون أن نملّ الانتظار..
والصبر والتجلد مفهوم إيجابي في مواجهة الأمر، لكن عندما يستخدمه أحدنا مترافقاً مع الانتظار يصل قمة السلبية، فهذا يدعو إلى الصبر، وآخر من شدة تمكنه من اللغة والحياة يتحدث عن الصبر الاستراتيجي، ويمتدح الصبر في لعبة العض على الأصابع من دون اكتراث لمجريات الصبر المشار إليه، ومن دون إلقاء عناية إلى خاتمة هذا الصبر إن كان سلبياً..!
العاجز عندما يجلس يتلقى الضربات، ويتلقى ما ينزل على رأسه، ويمارس الصبر، ما الفلسفة التي يحملها؟ وما الإيجابية في بقائه سليماً أو مشوهاً بعد أن ساعدته بنيته الجسدية على البقاء بصورة أو بأخرى؟
هل ينتظر الزمن أحداً؟ هل يتوقف الزمن عن المسير إكراماً لصابر خانع، وإن كان صبره استراتيجياً حسب زعم هذا المنظّر أو ذاك؟ وماذا يفيد الإنسان أن يصبر على ذل وصفع وما شابه والبقاء جثة معطوبة تسير على غير هدى وعلى غير عقل؟
ثمة فرق بين الصبر الفردي والجمعي، وفرق آخر بين الصبر مفردة والصبر مصطلحاً، والفرق وحده القادر على أن يهدي أحدنا إلى ضرورة الفعل الإيجابي، فالمقاومة هي صبر إيجابي وفاعل، ويتبعها الانتقال إلى خانة الهجوم ونيل الحقوق، ولكن إن احتفظت المقاومة بتلقي الصدمات والبقاء من دون تحرك كانت من باب المحافظة على الوجود بأي شكل كان!! سواء تحول الوجود إلى العزة أم حمل سمة الذل والانكسار!
وعند الحديث عن الأوطان يصبح الأمر أكثر خطورة، فهذا الذي يدعو إلى الصبر والمصابرة، وإن كان ذلك في إطار استراتيجي رجل انهزامي فردي، ولا يعنيه إلا أن يبقى موجوداً! الوطن غير ذلك، فما الفائدة أن تصبر الأرض، وأن يتحمل إنسانها ويصبران على ما يجري كرمى للبقاء؟ وما جدوى أن تنتهي الأزمات بالاعتماد على الصبر؟ سورية اليوم تتعرض للحرب والاعتداء والاغتصاب كل لحظة، فهل يكفي أن يتنطع أحدهم للحديث عن صبرها وتجميده؟ مصطلح فارغ يلوح بين كلماته التي ليس لها معنى محاولاً تعزيز وجوده الفردي.. ولكن هل نظر هذا الذي ولد من رحم الفراغ إلى خاتمة الصبر؟ ما فائدة الصبر السلبي إن انتهت الأزمة والحرب، والأرض لا حجر فيها، ولا إنسان عليها، سوى ذلك الذي يلبس بزته ويدعو إلى الصبر؟
هب أنها انتهت، فلننظر إلى أخطر ما في الصبر، اغتيال الإنسان، وتخطي الزمن للوطن وابنه ومستقبله!