سورية: 60 فضيحة.. بقلم: خليل حرب

سورية: 60 فضيحة.. بقلم: خليل حرب

تحليل وآراء

الأربعاء، ٨ يوليو ٢٠١٥

كأنك في انتظار غودو. لو قُدِّر لصموئيل بيكيت أن يحيا في زمننا لكتبها الان وإنما بكل التراجيديا الساخرة والمضحكة. أكثر من أربع سنوات والعبارة السحرية تحاصرنا: «المعارضة المعتدلة».
فتَّشَ كثيرون عنها، في داخل سوريا وخارجها. لم يعثر عليها أحد. لا صوت لها، ولا وزن، وكلما كانوا يدرّبونها ويسلّحونها، تتلاشى بقدرة قادر بين ليلة وضحاها. يُنهب سلاحها وتسقط مناطقها وينشقّ عناصرها. ولنا في «حركة حزم» والعديد من فصائل «الجيش الحر» خير دليل.
«المعارضة المعتدلة»؟ عنوان جذّاب انطرب له الأردنيون والسعوديون ومعهم الاتراك، والأميركيون طبعاً. هل حقّاً كنت ستصدق أن دولة من هؤلاء ستقول إنها تدرّب وتسلّح وتموّل «المعارضة المتطرفة»؟!. إنه العنوان، هنا الإثارة والإغراء وكل النصْب السياسي والاعلامي.
لم تترك هذه الحرب «اعتدالا». لا ينجب كل هذا الدم عاقلا، ولو خلق سيكون يتيما. لم يصنع هذا المال معتدلا واحدا. بالعكس تماما، هذا المال حرام ولم يجلب لنا الا سفّاحين. لم نر الى الان الا الذبّاحين والمفجّرين والقتلة على هتاف «الله اكبر». دلّني على مسلّح معارض واحد يتحدث عن حماية سوريا وبقائها وسيادتها. عبث، لا يوجد.
والان بعد اندثار «حركة حزم» وغيرها، يعيد المخرجون انتاج الفيلم بنسخة جديدة، على الرغم من فشل الجزء الاول منه في صالات العرض.
«المعارضة المعتدلة»؟ بالأمس فقط، كان باراك اوباما يبشّرنا بمسألتين قبل أن يؤكد أنه سينتصر: اولا ان «داعش» قادر على التمدد واحتلال المزيد من الاراضي، وثانيا ان «المعارضة المعتدلة» رهانه الاساس في الحاق الهزيمة بهذا التنظيم.
يا إله السموات ماذا اقترفنا من ذنوب لنستحق كل هذا العقاب والدجل؟ ساعات فقط وقال وزير الدفاع الاميركي إن برنامج تدريب «المعارضة المعتدلة» الذي انطلق منذ حوالي ثلاثة شهور، يشمل حتى الان 60 مسلّحاً! عفواً؟! ستون مسلّحاً فقط؟! الم يكن يفترض انه سيقوم بـ «تخريج» خمسة الاف «معتدل» خلال السنة الاولى؟
لكن اين بقية «المعتدلين»؟ تبخّروا؟ لم تنطبق عليهم «المواصفات؟ لم يعجبهم راتبهم الشهري المخصص لـ «وطنيتهم المعتدلة»؟ انشقوا بعد التدريب الأولي؟ صدّق او لا تصدّق، كل هذه الأجوبة ليست سخرية بتاتاً. انها الاجوبة التي قدمها الاميركيون انفسهم.
اشتون كارتر، وزير الدفاع، أقرّ بذلك امام الكونغرس. صحيح انه قال ان من بين اسباب ذلك «تشديد» اجراءات التجنيد (حتى لا تتكرر مهزلة الانفراط والانشقاق مرارا)، الا انه اشار ايضا - ويا لبؤس السوريين - انه سيجري «تخفيف» الاجراءات في المرحلة المقبلة!
وهذا بعض مما قاله اشتون كارتر:
ـ العمل على صقل منهجنا التعليمي
ـ توسيع نطاق تواصلنا مع المعارضة المعتدلة
ـ دمج الدروس المستفادة من الفصل الأول في عملية التدريب
وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» قالت من جهتها ان «المسلّح المعتدل» الخاضع للتدريب يتلقى ما بين 250 إلى 400 دولار شهريا (بحسب مهاراته وأدائه وموقعه في القيادة).
يعلم «البنتاغون» تماما ان مبلغا كهذا يعتبر زهيدا مقارنة بما يجنيه مسلحو المعارضة في مختلف المناطق الخاضعة لاحتلالهم. ان الاتاوات التي تفرض على بلدة وحيدة في احدى مناطقهم، توفر لكل عنصر من عناصر فصيل المعارضة المسيطر فيها، ما يفوق ذلك الراتب بكثير.
المشكلة ان «البنتاغون» يعلم. ويريد اوباما من «المعتدلين» مقاتلة «داعش» والحاق الهزيمة به. «داعش» الذي تمتد موارده من العراق الى سوريا بما فيهما من نفط واثارات واتاوات وابتزاز وعمليات خطف واموال خارجية.
لا عجب اذن، ان يقول «البنتاغون» ايضا ان مجموعات كبيرة من «المتدربين المعتدلين» اختفوا مؤخرا من مراكز تدريبهم في تركيا. وكانت المعلومات الاولى تشير الى ان نحو «ستة الاف سوري معتدل» انضموا الى برامج التدريب. ومؤخرا، قال المتحدث باسم «قوة المهام المشتركة - سوريا» سكوت راي إن «عددا من المتطوعين انسحبوا... مجموعة انسحبت بكاملها قبل عشرة أيام تقريبا... بعدما تدربت بضعة أسابيع».
لم يكن هؤلاء وحدهم. سبقهم في اليوم الاول من انطلاق البرنامج العقيد الاميركي ميخائيل ناغاتا المسؤول الاول عن تدريب «المعارضة المعتدلة»، اذ تردد ايضا انه قدم استقالته. دانيال روبنشتاين، المبعوث الاميركي الى سوريا، والمسؤول عن العلاقة مع المعارضة السورية منذ اكثر من عام، عُيِّنَ سفيرا في تونس. روبرت فورد لم يعد، طوني بلير غادر، هيلاري كلينتون لم تبق ايضا، نيكولا ساركوزي رحل، سعود الفيصل تراجع بهدوء، حمد بن جاسم بن جبر، انكسر وما عاد يظهر. وحدهم، السوريون والعراقيون واللبنانيون والمصريون والكويتيون واليمنيون ... يموتون، وغودو «الاعتدال» اللعين، لم يأت.