تجربة الاقتصاد السوري.. تغريدة من خارج السرب.. بقلم: بقلم: إيفلين المصطفى

تجربة الاقتصاد السوري.. تغريدة من خارج السرب.. بقلم: بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

السبت، ٤ يوليو ٢٠١٥

Evlism86@gmail.com
مع تسارع الأحداث السياسية والصراعات الإقليمية نجد أن المشهد الاقتصادي في العالم يعيش حالات من التعثر في العديد من الدول، تلك الأزمات الاقتصادية بدأت تتضح وبشكل سريع في عدة اقتصادات سواء في روسيا وأوكرانيا وكذلك في اليونان والأرجنتين وبورتوريكو في الولايات المتحدة، من دون أن نغفل الوضع الاقتصادي المتدهور في المنطقة العربية.
خلال سنوات الأزمة نجد أن الاقتصاد السوري خاض تجربة مميزة وفريدة من نوعها بين اقتصادات الدول التي عانت من أزمات شبيهة بالأزمة السورية وإن اختلفت الوسائل، ومع ذلك فحين الاطلاع على تجارب تلك الدول نجد أن البعض منها تعامل مع الأزمة بطريقة منطقية وحاول تأخير تأثر اقتصاده بالأزمة السياسية أو الأمنية فيها، في حين نجد أن المسؤولين الاقتصاديين الذين تتالوا على سدة الحكم لإدارة الاقتصاد السوري كانوا قد هيؤوا البيئة الاقتصادية المناسبة للتأثر بالأزمة التي تعصف في أرجاء البلاد وذلك من خلال اتخاذ عدة قرارات سرعت بإدخال الاقتصاد السوري بقطار الأزمة.
اليوم نجد أن القائمين على الاقتصاد تعاطوا مع الأزمة بكثير من عدم المبالاة والحرص على عدم تفاقمها، والسبب في ذلك أن شماعة آلة الحرب كانت غطاء لتبرير تقصيرهم وعجزهم عن ضبط الأسواق والأسعار والفشل الذريع في ضبط سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية الأخرى بعد ضخ الملايين من الدولارات ضمن مزادات استولت عليها أيادي قلة من تجار الصيرفة الذين قاموا بشراء الدولار بسعر من البنك المركزي من ثم تم بيعه من تحت الطاولة بسعر السوق السوداء.
ولأن البحث في تجربة الاقتصاد السوري تحتاج لأكثر من مقال وددت أن أشير هنا إلى بعض التميز الذي تعاطى به المسؤول الاقتصادي مع الأزمة المعيشية، فمثلاً نجد وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك يصرح بأن رفع الأسعار مطلب جماهيري، وهنا لابد من التوقف عند هذه الميزة، كيف يمكن لشعب يعاني من حرب وانخفاض في قدرة عملته المحلية للشراء، أن يطالب برفع الأسعار ومع ذلك تصريح وزير التجارة رافقه في بعض الحالات تعاطٍ إعلامي مثير للدهشة، فمثلاً بعض وسائل الإعلام ومن خلال إداراتها قامت بعرض تقارير استطلاع رأي بينت فيه أن المواطن السوري مع رفع سعر المادة شريطة توافرها وهذا شهدناه في قرار رفع سعر مادة الخبز وسعر لتر المازوت وفي كلتا الحالتين كان التعاطي الإعلامي يسجل تميزاً مخالفاً لسياق مضمون الإعلام وآلية التعاطي مع المواطن في حال كانت الحكومة مصرة على اتخاذ قرار له مبرراته ودوافعه، كان من الأحرى رصد ردة فعل المواطن مقابل أن تقوم الحكومة عبر مسؤوليها بمواجهة انتقادات الشارع من خلال طرح الأسباب والدوافع بشكل اقتصادي ومنطقي لرفع سعر سلعة ما خلال الأزمة.
المسؤول في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لم يكتفِ بذلك، فمنذ أيام قليلة كشف وزير التجارة الداخلية عن إنجاز يسجل في إنجازات الوزارة وهو بحسب ما جاء على لسان الوزير أنه "هذه هي المرة الأولى التي لا ترتفع فيها الأسعار خلال شهر رمضان" والسؤال هنا هل يعلم الوزير بأن الأسعار الموجودة في الأسواق تجاوزت الحد المنطقي لكلفتها الحقيقية مع هامش ربح يتجاوز 100% في بعض السلع؟ وهل يدرك أيضاً أنه لم يعد بإمكان التجار رفع الأسعار أكثر من ذلك في الوقت الراهن ليس كرمى لجيوب المستهلك وإنما لأن رفعها أكثر مما هي عليه سيساهم بتخفيض الطلب على السلع ولن يعد هناك حركة شراء للسلع التي يمكن أن تصبح كاسدة، وهل يعلم أن معظم التخفيضات التي تقوم بها بعض المؤسسات والمحال التجارية ناجمة دليل وجود وفرة في الكميات ومخافة أن تكسد ويتم إتلافها، وهذا ما نلاحظه في بعض الجولات الميدانية على بعض المستودعات التي يتم ضبطها لقيامها بتخزين سلع منتهية الصلاحية بكميات كبيرة لنكتشف مدى احتكار التجار للسلع والمساهمة في رفع الأسعار على حساب تخزين السلع واحتكارها إلى أن يتم إتلافها وهذا يضر بالاقتصاد نتيجة غياب الرقابة والقوانين الصارمة.
وإن كنا نسلط الضوء على بعض الحالات المثيرة للاستغراب في المشهد الاقتصادي السوري، فإننا لا نغفل عن تعاطي الإعلام مع الواقع الاقتصادي حيث بتنا نشهد في الآونة الأخيرة تقارير وتحقيقات يتم نشرها بأرقام مبالغ فيها عن أسعار بعض السلع أو في حساب إجمالي ما تنفقه الأسرة السورية على مائدة الإفطار خلال شهر رمضان، حيث نجد أنه تم المبالغة في الأرقام إذ جاء في أحد التقارير التي نشرت أن الأسرة تحتاج إلى 150 ألف ليرة شهرياً لتأمين احتياجاتها الغذائية، وفي حال قمنا بحساب هذا الرقم على مدى العام نجد أن الفرد يحتاج إلى 6000 دولار سنوياً وهذا الرقم إذا قمنا بمقارنته مع الدخل السنوي للفرد المتعارف عليه من قبل الإحصاءات والمؤشرات الاقتصادية فقد بلغ ما يقارب 2500 دولار قبل الأزمة، وبالتالي فإن المبالغة في الأرقام تضر بالاقتصاد السوري وتدفع بالأسعار للارتفاع أيضاً، لذلك يجب نقل الرقم بشكل منطقي ووسطي يلائم كافة الشرائح ويشخص واقعها من دون زيادة أو نقصان.