السكن الأفلاطوني.. بقلم: سامر يحيى

السكن الأفلاطوني.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الجمعة، ٣ يوليو ٢٠١٥

من مهام الجيش العربي السوري الذود عن حياض الوطن، والدفاع عن استقراره وأمنه وازدهاره والحفاظ على وحدته وتماسكه، وعدم السماح لآلة الإرهاب باستمرار تدمير البلد واستنزاف خيراته تنفيذاً لأجندة داعميها من أعداء الإنسانية تحت شعارات شتى، ومهمة بقية أبناء الوطن في كافّة مؤسسات الدولة الرسمية وشبه الرسمية والخاصة والعامة والأفراد أن يكونوا الجنود الأوفياء كل في اختصاصه وعمله..
 نعم ليس من الضروري انضمام جميع أبناء الوطن إلى الجيش العربي السوري، إنما أن يقوم كل منا بدوره ويتقن عمله، ويحترم وطنه وقدسية ترابه، ليكون اليد التي تمد أسباب النجاح ومصادر القوة، لهذا الجيش الذي يبذل دمه من أجل حمايتنا ويتحمّل القر والحر، في وجه حرب عالمية مكشوفة مخفية بآن معاً. على الأقل نحن نعيش تحت ظل سقفٍ يؤوينا، فواجبنا مضاعفة الجهد وإتقان العمل، لمساعدة أبناء الوطن لعدم السماح للأعداء بالتسلل بيننا واستغلال نقطة ضعف هنا أو خطأ هناك أو عاطفة لدى بعض أبناء المجتمع، وتهديم ما يقوم الجيش بتطهيره، وما تمت حمايته ومنع الإرهاب من الوصول إليه.
إن من أهم ما يحتاجه المواطن العربي السوري تأمين مسكنٍ له يستطيع إيواء عائلته وممارسة حياته بعيداً عن الضغوط النفسية التي تأتي من جراء عدم إيجاد مأوى. وإن إعادة إعمار البشر والحجر عنصران متكاملان، فالبشر بحاجة الحجر كي تحميه، والحجر بحاجة البشر كي يبنيه، وهما خطّان متوازيان لا يمكن أن يستمر أحدهما من دون الآخر، للنهوض بالوطن ضمن إمكانات الحاضر الراهن، انطلاقاً من معطيات الماضي بأخطائه وإيجابياته للوصول للمستقبل المزدهر الذي ننشده جميعاً.
وباعتباري لست اقتصادياً ولكن كمواطن عادي اطلعت على دراسة للاتحاد العام السكني، أظهر من خلاله أن سورية بحاجة إلى خمسة ملايين وحدة سكنية بتكلفة تقدّر 424 مليار ليرة سورية للسنوات العشر القادمة، آخذين بالاعتبار ازدياد عدد السكان بحيث يصل لخمسة وثلاثين مليوناً، وهنا خطرت على بالي بعض الأفكار قد يعتبرها البعض خيالية لكن لدي إيمان أن لدينا إمكانيات لتنفيذها، فقط تحتاج التفكير بوطنية، ويمكن أن تفتح الأبواب لأفكار كثيرة تساهم في وضع خطط حقيقية لعملية البناء والإعمار بعيدة عن المزاجية والشخصانية والمصالح الآنية الضيقة والتخلّص من الحجج والمعوقات التي تعترض طريق الازدهار، والتي بات الجميع يعرفها.
 فالتساؤل المطروح ليس أين وصلت، بل لماذا لم تصل اللجان التي تم تكليفها بدراسة ووضع المخططات التنظيمية لمنطقتين سكنيتين بدمشق رغم اجتماعات عدة، إلى وقائع حقيقة فعالة سريعة على الأرض، علماً أنه لو تم تنسيق الجهود مع كافة الجهات المختصة بالموضوع لانتهى منذ فترة طويلة وتم البدء بمناطق أخرى جديدة، علماً أن كافّة مبررات التأخير لا منطقية ولا قانونية ولا وطنية، وإن غلّفت بها.
ـ هل من الصعب على مؤسساتنا إيلاء البنية التحتية الأهمية الضرورية للبناء بدءاً من الهيكل ليتم استغلاله بالشكل الأمثل، ويحتل موقعاً صحياً سليماً، وتأمين كافة الخدمات الصحية والمدارس ومرآب السيارات، وحدائق وتركيب طاقة شمسية مشتركة لكافة المبنى إلخ.. علماً أنها في نقاشاتها تطرح كل تلك الموضوعات لكن مع التنفيذ تذهب كلها هباءً وبعض منها يكون مكتوباً على الورق ويقبض ثمنه من دون وجوده على أرض الواقع..
ـ صارت المخالفات في بلدنا أمراً طبيعياً، وهذا ليس بجديد ولا علاقة له بالأزمة التي تمر بها سوريتنا، وإن أصبحت الأزمة عبارة عن شماعة نعلّق عليها كل أعمالنا اللاوطنية، والتي هي ليست وليدة اليوم أو البارحة.....حتى بات يشعر المخالف بأنّه بعد فترة ستصبح مخالفته قانونية بعد تسديد الرسوم، رغم صدور القوانين والقرارات التي تمنع وجود المخالفات أصلاً، والتي تقام تحت نظر وأحياناً كثيرة بمباركة من الوحدات البلدية في المنطقة.. ما يتطلّب من الجهات المختصة عدم التغاضي عن المخالفات وعدم القبول بتسويتها، ما يساهم بالتخفيف من تكرارها مستقبلاً، بل العمل على هدمها وبناء الوحدات السكنية بشكلٍ منظم للقضاء على كافة المخالفات دون استثناء..
ـ إزالة عقبات مطالبة قاطني المنازل بمأوى لكافة أبناء العائلة، بأن يتم نقل المواطن إلى البناء الجديد ويدفع قسطاً شهرياً حسب المساحة وحسب عدد أفراد الأسرة الحقيقيين المقيمين معه، فيكفي أنه انتقل من بناء مخالف للشروط كافّة بأن تمت مكافأته بمنحه منزلاً جديداً بنفس منطقة سكنه القديم، وهذا يساعد حتى الجهات المختصة الأخرى بما فيها المكتب المركزي للإحصاء...
ـ فتح حساب بنكي موحد لإعادة الإعمار، يغذى عن طريق المبالغ المخصصة لإعادة الإعمار، ومساهمة البنوك بالتمويل، بدلاً من تقديم القروض للمواطن أو شركات محددة..إضافة لرسم بدل التملّك من قبل المواطن القاطن بهذه المنازل الجديدة، يتناسب مع دخل المواطن والتكلفة الحقيقية للبناء..
ـ إقامة مصانع لتأمين كافة احتياجات هذه الوحدات السكنية بأجود الأنواع وأرخص الأسعار، بالتعاون مع كافة القطاعات.
ـ الاستفادة من جهود وخبرات أبنائنا في المغترب بالمساهمة في عملية التمويل والدعم وتوفير الآليات والمواد بالطرق الأسهل التي يتعثر تأمينها بشكل مباشر نتيجة الحصار والعقوبات المفروضة على البلد.. وقد أثبت المغتربون قدرتهم على تحقيق المعجزات لمصلحة وطنهم الأم فقط عندما تتاح لهم الفرصة ويحصل تعاون جدي وحقيقي معهم..
ـ توزيع العمل على كافة شركات القطاع العام والخاص بالتساوي ضمن إمكانيات وقدرات كل شركة أو مؤسسة، ويتناسب مع حجم العمل الذي تقدمه، وتشرف على هذه العملية لجنة إعادة الإعمار المفترض تشكيلها من كافة الجهات المختصة، فالعمل الجماعي يكون أكثر قدرة على إنجاز المستحيل، ويتم دفع التكاليف من صندوق إعادة الإعمار كل حسب عمله ودوره....
بالتأكيد هذه مجرّد أفكار عابرة، وسيتهمني من يقرأ المقال بأنني أنشد المدينة الفاضلة، فلدينا الكثير من الأمثلة التي تثبت عدم القدرة على تطبيق ولو جزءاً بسيطاً من مقالي لأسباب كثيرة، وأهمها الفساد... فبدلاً من وضع الحجج وأنه لا يمكن، لمَ لا نبدأ من الآن، لننس الماضي ونبدأ من جديد فسوريتنا تستحق أن ننهض لا أن نرتبط بأخطاء الماضي ونتجاهل إيجابياته الكثيرة، ومن حق كل مواطن سوري أن يحمل بالمدينة الفاضلة، فلدينا القدرات المادية والمعنوية والإمكانات ضمن الظروف المتاحة، والمختصين والخبراء والطلاب أصحاب الرغبة بتقديم مشاريع حقيقية منطلقة من أرض الواقع لبناء سوريتنا بأفضل حلة، وبأقل تكلفة، وبعيداً عن التنظير للوصول لمجتمع التقدم والازدهار الذي نحلم به جميعاً... فقط ما نحتاجه هو تفعيل الضمير الوطني الحي، وتغليب مصلحة سوريتنا على مصالحنا الشخصية الآنية الزائلة............
نعم من حق السوري أن يعيش في مدينة أفلاطون، ولاسيما بعد ما كان مقصد كل العرب سائحاً أم لاجئاً أو زائراً أم ضيفاً أم مستغيثاً والآن أثبتت الظروف أن السوري بات سلعة للشحاذة من قبل حتى الدول الغنية التي تعقد المؤتمرات لإنقاذ هذا الشعب مقابل فرضها الحصار السياسي والاقتصادي على سوريتنا..
نعم يجب أن نبدأ، فسورية قادرة على إعطاء الرسائل للآخرين، المهم أن نبدأ...لا أن نبرر ونحمّل الآخر المسؤولية أياً كان...