من الموصل إلى سيناء، الهدف تحطيم الجيوش..

من الموصل إلى سيناء، الهدف تحطيم الجيوش..

تحليل وآراء

الخميس، ٢ يوليو ٢٠١٥

 "داعش" الذي تحوّل من ظاهرة الى تيّار عالمي يضرب في كلّ مكان ويهدّد أماكن ينوي ضربها، هذا التنظيم الذي استطاع خلال سنة من إعلانه "دولة الخلافة" أن يتمدّد الى أماكن خارج بيئة نشوئه الأساسية، و"داعش" ليس اسماً محدّداً فهو بحسب المذكرة الإستراتيجية لعبد الله بن محمد يمكن أن يحمل أسماء متعدّدة بحسب الظروف وبيئة النشاط، وهو أيضاً الذي يجب أن يكون قابلاً للتطوّر بسرعة خارج الأنماط المعلومة لتشكيل عنصر المفاجأة الدائم، وإن كان ظهور التنظيم بحدّ ذاته شكّل مفاجأة إستراتيجية للجميع كتنظيم إستطاع أن يتكيّف مع التطورات ويزرع خلاياه العاملة في كلّ مكان. فمن نظرية الذراعين (السيطرة على اليمن والشام) التي أُطلقت كبداية للفكرة في المذكرة الإستراتيجية، الى نظرية تعدّد الأذرعة والتي يبدو أنها ستكون النظريّة السائدة في عمليات التنظيم لفترة طويلة من الزمن، حيث نشهد وبتسارع ملحوظ مبايعة العديد من الجماعات المسلّحة للتنظيم في ليبيا وتونس واليمن وغزّة وظهور التنظيم في الكويت وتونس والسعودية وعملياته المحدودة حتى اللحظة في أوروبا.

وتنظيم "داعش" ليس كما يظن البعض إختراعاً بحدّ ذاته، إنّما هو النسخة المعدّلة والجيل الثالث من تنظيم القاعدة وينطلق بكلّ حركته من رحم الفكر نفسه، وما المفاجأة الإستراتيجية بظهوره إلّا بسبب تسارع نموّه الذي يحتاج الى الكثير من الإحاطة والبحث لمعرفة وتحديد آليات مواجهته.
وإذا ما قاربنا أمر الهجمة على المنطقة منذ البداية، فسنرى أنّنا في المرحلة الأولى منها وهي مرحلة تحطيم الجيوش وإنهاكها مقدّمة لمرحلة الفوضى الشاملة والدائمة وترسيخ معايير الصراع الدائمة بين مجموعات متحاربة الى أبد الآبدين.
حتى اللحظة، لا بدّ من الإعتراف أنّ أميركا التي خطّطت لإحداث "الفوضى الخلّاقة" كما تسميها دوائر التخطيط الأميركي نجحت في إطلاقها، ولكنها في الحقيقة فوضى عمياء متفلّتة حتى من يد صانعيها حيث تجبرهم الى الوقوع فريسة التغيير الدائم لمواكبة هذه الفوضى وتضعهم أمام تعقيدات لم تكن بحسبانهم رغم الإستثمار الذي تستفيد منه أميركا من حركة هذه الجماعات التي أطلقت تحالفاً من أجل محاربتها، ولكنها على ما يبدو تقصفها بالفيتامينات وليس بالقنابل نظراً لما نراه من تمدّد لهذه الجماعات تحت العين الأميركية.

وأوّل ما استهدفه مخططو الفوضى كان تدمير الجيوش العربية القويّة وهي الجيش الجزائري والمصري والعراقي والسوري، وبينما يخوض الجيشان العراقي والسوري مواجهات عسكرية كبيرة اختلط فيها "داعش" بأبناء عمومته من الجماعات الأخرى، يتم تفعيل الساحة الليبية وتسعيرها وتحضير الساحة التونسية لتسعيرها بهدف خلق بؤرة إرهاب ضخمة في ليبيا تُطلق الهجمة على الجزائر ومصر، في توقيت تملك التنظيمات التكفيرية وحدها على ما يبدو ساعة صفره الحقيقية، والسبب أنّ هذه الجيوش القويّة رغم قوّتها تخوض حرباً دفاعية حتى اللحظة سواء في العراق أو سورية وحالياً في مصر.
وإن كانت الهجمة في سورية والعراق تمّت بحجّة استبداد الأنظمة، فهذه الحجّة غير منطقية في تونس وليبيا التي سقطت انظمتها وكذلك في مصر، وبهذا يتأكد لنا أنّ الهدف أبعد من إسقاط أنظمة وتغييرها ليطال البنية الدفاعية للدول ومجالاتها الحيوية كمقومات أساسية للدولة حتى تستطيع الإستمرار.
وهنا لا بدّ من الإشارة الى أهمية إحكام الجيشين السوري والعراقي بتفاوت بين البلدين على المجال الحيوي للدولتين، والذي يضم المدن الكبرى والكثافة السكّانية الأكبر وهو من أهّم عوامل الصمود في وجه هذه الهجمة والتي من خلالها يجب أن تتم عملية إطلاق الهجوم المضاد وتطويره في المراحل القادمة.

ودون الغوص في تفاصيل ما يحدث من عمليات عسكرية، فإنّ التطور الأبرز حصل اليوم في سيناء حيث قام تنظيم "داعش" بشنّ هجمات متزامنة على أكثرمن 15 موقع عسكري وبأساليب هي نفسها المستخدمة في مهاجمة مواقع الجيشين السوري والعراقي، ما يعني أنّ التنظيم بات يمتلك قاعدة انطلاق ثابتة وبيئة حاضنة في سيناء.
أمّا التطوّر الذي لا يقل خطورةً عن عمليات سيناء، فهو المتمثل في تهديد "داعش" لحماس وكذلك تهديد المسيحيين والطلب منهم الخروج من القدس.
وإذا ما نظرنا الى ساحة العمليات في سيناء وسورية، فسنرى بوضوح مشاركة هذه التنظيمات بمختلف مسمياتها للحدود مع الكيان الصهيوني، وهو أمر بات مكشوفاً في الجولان ودرعا لجهة دعم الكيان الصهيوني بكافة أشكال الدعم وهو ما يمكن أن يكون حاصلاً في سيناء ولم يُعلن عنه لأسباب تتعلّق بمستقبل علاقة الكيان الصهيوني بمصر، وهو أمر يجب على أجهزة المخابرات المصرية العمل عليه بجديّة نظراً لتطابق أهداف هذه الجماعات مع أهداف الكيان الصهيوني وأميركا في تمزيق المنطقة مذهبيًا وإثنيًا لخدمة الهدف الكبير وهو "إسرائيل" اليهودية.
والجدير ذكره أنّ هذه المرحلة من العمليات تتم بموازاة حرب إعلامية ونفسية تروّج لسقوط الدولة السورية، أهمّها ما جاء مؤخراً على لسان مستشار وزير الدفاع الصهيوني عاموس جلعاد الذي روّج أنّ الدولة السورية سقطت وننتظر من يعلن نهايتها، وهو كلام يتناقض مع الإجراءات الصهيونية لإقامة الحزام الأمني في الجولان، وكذلك مناورات الجبهة الداخلية وتصريحات القادة الصهاينة حول تنامي خطر حزب الله وغيرها من الإجراءات التي تشير الى عكس هذه التصريحات التي أدلى بها عاموس جلعاد ويقوم بها يومياً الكثيرون من الكتَبَة والصحافيين في سياق ممنهج يهدف الى شلّ القدرات الدفاعية وتعجيل الفوضى الكبرى والشاملة، وهو ما سنلاحظه في الفترة القادمة بخصوص مصر وتونس المعرّضة أكثر من غيرها نظراً لعدم مناعة الجدار الأمني فيها ونقص القدرات.

وعلى ما يبدو، وبانتظار المتغيرات التي تكلّم عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لناحية التحولات السياسية في مواقف السعودية والأردن وتركيا، ستشهد منطقتا الشمال والجنوب السوري معارك قاسية وكبيرة انطلقت أصلاً، ولا يعني عدم نجاحها بالكامل توقفها أو العدول عنها، فأميركا التي باتت تحتوي رأيين متناقضين في إدارتها حول التعاطي مع الحرب في المنطقة لا يزال الفريق الأقوى في الإدارة يعتقد أنّ بإمكان أميركا الإستفادة من الفوضى لناحية الحصول على امتيازات إضافية، وبرأيهم أنّ ذلك لن يتم إلّا بسيطرة الجماعات المسلّحة على المزيد من الأرض في الشمال السوري، والذي باتت تركيا فيه ذاهبة باتجاه مغامرة سواء كانت محسوبة أو غير محسوبة. وكذلك يفعل الأردن والكيان الصهيوني في الجنوب السوري، حيث سيكون على رأس أولوياتهم في المرحلة القادمة الإقتراب من دمشق من الجهة الجنوبية هذه المرّة وربّما بالتعاون مع جيش الإسلام بقيادة زهران علوّش من جهة الغوطة الشرقية، وهو برأيي أمر فيه الكثير من الخيالية لعدم توفّر الإمكانيات اللازمة لتحقيقه، وفي كلّ الأحوال فإنّ أميركا لن تخسر شيئاً طالما أنّ الدّم ليس دمها والأرض ليست أرضها، وهو باعتقادي ما سيكون حافزاً لمحاولة قد تكون الأخيرة قبل الشروع بوضع أسس لتسوية سياسية شاملة ولكنها بالتأكيد لن تحصل غداً ولا في السنة المقبلة.

في كلّ الأحوال، نحن أمام مرحلة بمنتهى التعقيد والصعوبة وستكون لها آثار كارثية إن لم تعمد الدول التي تتعرض للهجمة الى إقامة غرفة عمليات أمنية موحّدة تدير العمليات ولا تقتصر فقط على تبادل المعلومات، رغم أنّه لا بأس أن نشهد في المرحلة الأولى تعاوناً متواضعا في تبادل المعلومات.