واشنطن سألت عن استبدال الرئيس الأسد وموسكو رفضت

واشنطن سألت عن استبدال الرئيس الأسد وموسكو رفضت

تحليل وآراء

السبت، ٢٧ يونيو ٢٠١٥

جان عزيز
تؤكد أوساط أميركية مواكبة لحلقات التفكير والتقرير في واشنطن، أنه طيلة أربعة أعوام ونيف كانت التباينات في الآراء الأميركية حول الحرب السورية ومؤدياتها، سيدة الموقف في أروقة الإدارة. لكن إجماعاً قد تولد منذ أسابيع قليلة، حيال القراءة المستقبلية والأولية لهذا النزاع المزمن والدامي. تنقل الأوساط نفسها عن مسؤولين أميركيين معنيين بالملف، قولهم إن كل من في واشنطن بات يعتقد أن الرئيس السوري بشار الأسد سيقاتل مستميتاً، لكن دفاعاً عن خط يبدأ بحدود دمشق الجنوبية والشرقية، ويمتد حتى اللاذقية عند الحدود التركية.
مع ما يتضمنه هذا الخط من هوامش جغرافية ضرورية أو ممكنة، لحماية خط دمشق ــــ الساحل، كما لحماية دمشق وحماية الساحل معاً. وهو ما ينطبق على الغوطة وسواها من المناطق الدمشقية جنوباً وشرقاً. كما على سهل الغاب وما حوله. إضافة طبعاً إلى القتال دفاعاً عن الطرق الرئيسية الرابطة بين العاصمة والبحر، في حماه وحمص. أما ما تبقى من الجغرافيا السورية، فيعتقد الأميركيون أن الأسد بات يدرك أنه خسره بشكل نهائي، وأنه لن يعود إليه ولن يقاتل من أجل ذلك، كما بات يرى الإجماع الأميركي نفسه.
وتتابع الأوساط الأميركية نفسها أن هذا الإجماع في مصادر تكوين القرار الأميركي حيال الحرب السورية هو ما سمح للمرة الأولى منذ أربعة أعوام، بانطلاق تفكير في واشنطن حول مبادرة ما لاستبدال الأسد. وهو ما بدأ يكثر الكلام حوله في أروقة العاصمة الأميركية المختلفة. لكنه ترافق بشكل متلازم مع مقولتين ضامنتين: الكلام عن عدم إسقاط النظام أولاً، والتأكيد على ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ثانياً. وتشرح الأوساط نفسها أن هاتين المقولتين كانتا ضروريتين لتثمير الكلام عن مشروع المبادرة الأميركية لاستبدال الأسد. ذلك أن حديثاً من هذا النوع من دون ضمانة حفظ النظام، سيثير في واشنطن فوراً ذعر احتمال حصول إبادات في سوريا، خصوصاً في ظل «حدث داعش» وما يسجله بنجاح منقطع النظير في منطقة توازي مساحة فرنسا. كما أن عدم التأكيد على المحافظة على مؤسسات الدولة السورية، يعيد إلى أذهان واشنطن الذكريات العراقية المأساوية بعد «خطيئة» إسقاط صدام وحل الجيش العراقي.
هكذا، وبعد تحصين الفكرة الأميركية بهذين الصمامين، ذهب جون كيري للقاء القيادة الروسية في سوتشي في 12 أيار الماضي. التقى ناظر الخارجية الأميركية نظيره لافروف، وبوغدانوف، ومساعد بوتين، يوري أوشاكوف ومسؤولين آخرين. لكن لقاءه المطول على مدى أربع ساعات ونيف مع الرئيس الروسي كان الأهم. تحدثا في كل الملفات: إيران والنووي وصواريخ أس 300، اليمن، فلسطين وسلام الشرق الأوسط، أوكرانيا وأوروبا والإرهاب... وصولاً إلى سوريا. تنقل الأوساط نفسها عن مسؤول أميركي أن كيري عرض على مضيفه الروسي فكرته الأولية عن استبدال الأسد، من دون المس بالنظام ولا بمؤسسات الدولة. لكن بوتين لم يبد أي تجاوب. استنتج الضيف الأميركي، لسبب ما، أن الرئيس الروسي ليس معارضاً للفكرة بالمطلق. بل لأن موسكو لا تملك راهناً أي خيار سوري بديل تطمئن إليه وإلى قدرته على الإمساك بسوريا. وعلى قاعدة هذا الاستنتاج، حاول كيري إبداء حسن النيات الأميركية بالقدر الممكن. فوجه من سوتشي رسالة إيجابية حيال موسكو، تمثلت بتحذير الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو «من شن أي عملية عسكرية في جنوب شرق البلاد». وعلى خلفية هذه «التسليفة» لروسيا، غادر كيري عازماً على استكمال المحاولة عبر قنوات أخرى.
بعد 48 ساعة فقط وصل سعد الحريري إلى سوتشي في مسعى استكمالي لخطوة كيري، وتمهيدي لخطوة سعودية. تسلح الحريري باستعداد الرياض لاستبدال الأسد برئيس سوري علوي اياً كان اسمه. وفي طريقه، طرح الحريري على بوغدانوف أن هذا الحل هو الضمانة المثلى لمصالح موسكو في دمشق، كما لحماية مسيحيي سوريا ولبنان حتى. وبدا أن بوغدانوف اقتتنع بهذه الجزئية، لأسباب قد لا تكون مرتبطة حكماً بصدق الرجلين! لكن مع ذلك، ظل الموقف الروسي الرئاسي هو نفسه. لكن المساعي الأميركية لم تتوقف. في 12 حزيران أرسلت واشنطن وسيطها العامل بصفة استثمارية، الملياردير الأميركي دايفيد روبنشتاين، في مهمة مماثلة، من دون جدوى أيضاً. وفي 18 حزيران أنزلت الرياض سلاحها الثقيل وسط الساحة الحمراء، مع زيارة محمد بن سلمان حاملاً مشاريع الاستثمارات والتعاون والمقايضة. لم يتبدل موقف موسكو. حتى أن بوتين حرص في اليوم التالي لزيارة الأمير السعودي الشاب على تأكيد تمسكه بالأسد!
تراجعت واشنطن عند هذا الحد. لكن من دون أن تغير اقتناعها. اكتفت بطرح الفكرة للنقاش. ولبثت تنتظر تطورات أكثر ضغطاً على المعنيين، لإعادة بحثها في صيغة حل سوري ما. تكشف الأوساط نفسها أن الأميركيين يراهنون على أن استمرار الأمور على حالها سيدفع سوريا إلى منزلق من ثلاثة: إما التفتيت المعلن. وإما قيام خطوط تماس تتحول مع الوقت حالة مزمنة تشكل عبئاً على الجميع. وإما استدامة النزاع الدموي الراهن، واتجاهه إلى إنهاك القوى المتقاتلة كافة. رهان متروك لتطورات الميدان والسياسة، لتأكيده أو إسقاطه.