مصر تخذل سورية وتصافح بني صهيون

مصر تخذل سورية وتصافح بني صهيون

تحليل وآراء

الخميس، ٢٥ يونيو ٢٠١٥

 "لا تصالح.. ولو توَّجوك بتاج الإمارة.. كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ؟.. وكيف تصير المليكَ.. على أوجهِ البهجة المستعارة؟.. كيف تنظر في يد من صافحوك.. فلا تبصر الدم.. في كل كف؟.. إنّ سهمًا أتاني من الخلف.. سوف يجيئك من ألف خلف.. فالدم الآن صار وسامًا وشارة.. لا تصالح".
هي كلمات أمل دنقل التي مهما قيل من مفردات في الخيانة العربية ستبقى هي الأوضح والأبرز على الإطلاق، وستظل المعبر عن أي من حالات الخزي والعار، التي ما أكثرها في وطننا العربي.
مؤخرًا، أعلنت مصر الرسمية إيفاد سفير لها من جديد للكيان الصهيوني الغاصب، لتعيد علاقات دبلوماسية كاملة مع "إسرائيل"، ذلك الكيان الهلامي الشكل، المحتل للأراضي العربية. واعتبر ذلك الإعلان من الجانب المصري بمثابة مرحلة جديدة للسياسات التي تعيد مصر من جديد لما كانت عليه قبل كانون الثاني/يناير 2011.

من العجيب أنّه بالوقت الذي يتفاخر فيه النظام المصري بإعادة علاقاته الدبلوماسية مع الصهاينة، تبقى علاقاته مع الجمهورية العربية السورية دون سفير، وفي الوقت الذي ترحب فيه "تل أبيب" بالقرار المصري، نجد رموز المؤامرة على سوريا تهلل فرحًا بقرارات مؤتمر القاهرة الأخير الذي أصرّ على رحيل الأسد.
صحيح أنّ النظام المصري يؤكد دومًا على ضرورة وحدة الأراضي العربية السورية والحفاظ على مؤسسات الدولة، إلّا أنّه في الوقت ذاته سمح للعملاء والمرتزقة بإصدار بيان من القاهرة يؤكد الإصرار على رحيل الأسد واستبعاد حزب البعث من أية حسابات مستقبلية، وهو نفس التوقيت الذي اختير ليمد النظام المصري يده بسفير للصهاينة.

كان أمام مصر الرسمية طريقان لا ثالث لهما، درب الحرية والعروبة أو درب التبعية والخنوع، لم يطالبها أحد بإظهار دربها علنًا، كانت تكفي مؤشرات على الطريق، تمهيدًا لإعلان واضح وصريح تُعد له العدّة، ولكنّ مصر اليوم أضاءت مصباحًا كاشفًا في طريقها للتبعية.
تلك الإضاءة في طريق مصر تكشف ما وصل إليه صراع النفوذ ومراكز القوى بمؤسسات صنع واتخاذ القرار في مصر الرسمية، حتى الآن، فلا يخفى على أحد صراع الأجنحة في مصر، الذي طالما أدّى إلى تخبّط في القرارات الصادرة عن مؤسسات الدولة، وتعارضها في بعض الأحيان، هو صراع خفيّ يمارس لعبة فرض السيطرة، ولكن فيما يبدو أنّ شهر حزيران/يونيو الجاري شهد ضربات موجعة تلقاها الجناح القومي لصالح أنصار التبعية.
فتم اختيار حازم خيرت ليكون السفير المصري السادس لدى "الكيان الصهيوني"، وهو لعائلة أغلبها يعمل بالسلك الدبلوماسي، ومنها السفير إسماعيل خيرت شقيق زوجة وزير خارجية مصر الراهن سامح شكري والسفير إبراهيم خيرت سفير مصر السابق في المكسيك. ومن المفارقات الغريبة أنّ "خيرت" السفير المصري الجديد لدى "تل أبيب" عمل في وقت سابق سفيرًا مصريًا لدى دمشق، وكأنها أيضًا رسالة ذات مغزى.

ليست مصادفة استمرار انقطاع العلاقات المصرية السورية، وعودة العلاقات المصرية الصهيونية، كما يبدو أيضًا أنّها لم تكن مصادفة رفع صورة جولدا مائير في متحف "نساء رائدات" المصري قبل قرابة الأسبوع، تكريمًا لجرائمها بحق العرب.
من الواضح أنّها رسائل ترسلها مصر الرسمية، تشير إلى قرب استقرارها على أحد الدربين المتاحين أمامها، ولكنه من المؤكد أيضًا أنّ هناك أجنحة بالسلطة وقوى سياسية لن تقبل بهذا الدرب، فهو بمثابة ردة واضحة وصريحة لكل ما أعلن عنه خلال عام من حكم السيسي، وعام سبقه، فعلى من يدفع الدولة لدرب خيانة أمتها تحمّل النتائج، وعلى رأس الدولة المصرية أن تتذكر الاتهامات الشعبية لمحمد مرسي حينما أرسل خطابًا قال فيه "صديقي شيمون بيريز"، فهل يرضى النظام المصري الحالي أن يكون بوضع نظام محمد مرسي حينها، أو نظام مبارك الذي لصقت به صفة العمالة؟!

قوى سياسية عديدة أيّدت وتؤيّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في سياساته، داخليًا وخارجيًا، لأنّها كانت ترى في تلك السياسات ما يعيد مصر إلى مجدها وعزتها، وإنها خطوات جادة نحو الاستقلال الوطني، وحفظ الكرامة. هي قوى لا تمتهن هتاف "مات الملك عاش الملك"، بل قوى لها بوصلتها، التي تحدد اتجاهها، ولا تزال فلسطين بوصلة للسياسات الخارجية، ومعها اليوم سوريا، فإذا لم يلتزم النظام المصري بهذه البوصلة.. اختلفت اتجاهاته عن قوى تلتف حوله، وهنا لينتظر أول الانشقاقات في صفوف مؤيديه.
لا يزال أمام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي متسع من الوقت ليصحح المسار الذي توضع فيه مصر، وعليه أن يجعل من سياسات ورسائل شهر حزيران/يونيو نهاية لمحاولات تطويق وسحب مصر، عليه أن يصحح المسار، وإلا ظلّ حزيران/يونيو الجاري "شهر الآلام"، يشهد وفاة مرحلة وميلاد أخرى في تاريخ حكم السيسي.
سلاب نيوز