الخطر القادم من جبل الشيخ ..

الخطر القادم من جبل الشيخ ..

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٤ يونيو ٢٠١٥

 عمر معربوني

قد يتساءل البعض كيف يمكن لأحد أن يُعلن عن أمر ويتوقّعه، وهو تساؤل مشروع طالما أنّ المتسائل لا يملك الاختصاص في الأمر الذي تتمّ فيه التّوقعات على أساس الإحاطة بالموضوع انطلاقاً من مجموعة من المعطيات، تشمل المعلومات والمتابعة الدّائمة وظروف الميدان وتموضع القوات المتحاربة. وعلى رأس هذه المعطيات بالطّبع، هي أهداف المتحاربين وأولويّاتهم لجهة تحقيق هذه الأهداف.

ومنذ بداية الحرب على سورية، كان أحد أهمّ أهداف الجماعات المسلّحة، ولا زال، هو السّيطرة على العاصمة دمشق لما تشكّله من ثقل ورمزيّة، وهو ما لم يتحقّق لهذه الجماعات حتى اللّحظة. وبالتّزامن مع انطلاق معركة القلمون، كثُر الكلام مجدّدًا عن قرب سقوط العاصمة دمشق بيد الجماعات المسلّحة، وباتت كما في السّابق تضرب الموعد تلو الآخر لهذا السّقوط. وإذا ما قاربنا المسألة من طريقة تفكير ونوايا الجماعات المسلّحة وداعميها، لوجدنا أنّه من الطّبيعيّ أن يعمد العقل المدّبر لهذه الجماعات الى إيجاد خطّ مسير بديل إلى العاصمة دمشق عن الخطّ الذّي كان مرسومًا منذ بداية سيطرة هذه الجماعات على مدن وقرى القلمون وخروجها منها فيما بعد إلى الجرود، والتّي بدورها تشهد انهيارات كبيرة لهذه الجماعات.
وقد باتت فيها الصّورة واضحة لناحية النتيجة المتوقّعة لهذه المعركة، رغم إصرار البعض أنّ هذه الجماعات تخوض حرب استنزاف بمواجهة الجيش السوريّ والمقاومة. وفي كلّ الأحوال، فإنّ العاصمة دمشق باتت أكثر أمانًا فيما يخصّ تأثير الجماعات الموجودة فيما تبقّى لها من مواقع في جرود القلمون، والتّي أصبحت خياراتها دفاعيّة بحتة وهي تتلقى الضّربات، بينما كان سبب تمركزها الأساسي فيما مضى الضّغط على دمشق وإسقاطها عبر التّطويق والاقتراب بطريقة الزّحف البطيء وهو ما صار ماضيًا وحلمًا.

ولأنّ هذه الجماعات وداعميها يعلمون تماماً نتائج معركة القلمون، يحاولون عبر الخطّة البديلة لخطّة ربط القلمون بحرمون -أعلى قمّة في جبل الشّيخ- أن ينفّذوا عمليّة الاقتراب من دمشق من اتّجاه الجنوب الشرقيّ، وتحديدًا من مناطق الجولان وقراه بأكثر من اتّجاه هجوم سيتم شرحه.

وقبل الدّخول في شرح تفاصيل خطّة الاقتراب من دمشق عبر جبل الشّيخ، لا بدّ من الإضاءة على طبيعة المرحلة الحاليّة لجهة تغيير القوى المهاجمة لأنماطها وأساليبها، وكذلك لمنهجيّة وخطط محور المقاومة وطريقة خوضه للحرب. أولاً: لم يعد خافيًا أنّ أميركا ومن خلفها الدّول الدّاعمة للجماعات المسلّحة عمدت منذ أشهر الى اعتماد نمط الحرب الواسعة من خلال فتح جبهة اليمن وتقدّم داعش في الرّماديّ وتدمر وسيطرة الجماعات المسلّحة الأخرى على إدلب وأريحا وجسر الشّغور، وكذلك العمليّات التّي تجري في الجنوب السّوريّ والتّي أدّت إلى سيطرة الجماعات المسلّحة على بصرى الشّام ومقرّ قيادة اللّواء 52 والهجمات العديدة على مطار الثّعلة قرب مدينة السّويداء، وحاليًا الهجوم على حضَر وهو الذّي سيشكّل مادّة بحثنا الأساسيّة، بالإضافة إلى التّحركات التّي يقوم بها الملك الأردنيّ لتحشيد العشائر تحت شعار الخطر من الهلال الشيعيّ، وكذلك ما تقوم به " إسرائيل " من ترغيب وترهيب للموحّدين الدّروز في سورية بهدف تحييدهم عن دائرة المواجهة وغيرها من الأهداف القديمة الجديدة.

في المقابل، من الضّروريّ الإشارة إلى أنّ سورية ودول محور المقاومة تعمد في كلّ مرحلة إلى تغيير أنماط المواجهة التّي ستكون معتمدة في المرحلة القادمة على:
1- إعادة تجميع القوى البشريّة وزجّها في الجبهات بحسب الأولويّة.
2- إعتماد سياسة النّفس الطّويل، والرد على نمط الإستنزاف بنمط مماثل من خلال تمكين الجماعات المسلّحة من الجغرافيا الرّخوة الواسعة لتشكّل عليهم عبئًا في المرحلة القادمة.
3- حسم المعارك بحسب الأولويّة والأهميّة، والترَيّث بخوض بعضها، بانتظار نتائج المستجدّات والتّحولات السّياسيّة (تركيا مثلاً)، لما ستشكّله هذه التّحولات من نتائج سلبيّة على قدرات الجماعات المسلّحة في الشّمال السّوريّ.
4- بسط مزيد من السّيطرة على المنطقة الحيويّة للدّولة، والتّي تشمل المدن الكبرى من العاصمة وصولاً إلى السّاحل، وإنهاء القتال في أطرافها المباشرة ونقل القتال الى الأطراف البعيدة.
5- البدء بإعادة تنظيم عمليّة الإنتاج وتفعيلها لرفد الدولة بالمال اللّازم للوفاء بالتزاماتها تجاه شعبها. وعليه، فإنّنا أمام مرحلة ستكون بمنتهى القساوة، خصوصًا إذا ما لحظنا الأدوار التّي يمكن أن يقوم بها تنظيم " داعش " في أكثر من مكان وبنفس أساليبه السّابقة التّي تعتمد على عنصري المفاجأة والحركة السّريعة.

بالعودة إلى موضوع الجولان، فإنّ ما يحصل في بلدة حضَر جاء نتيجة فشل الهجمات على مطار الثّعلة، والتّي كان للقوى الرّديفة للجيش السوريّ من الموحّدين الدّروز دور كبير في إفشالها وضرب مفاعيل هذه الهجمات والتّي كانت تهدف الى إرعاب الدّروز وإجبارهم على طلب المساعدة من " إسرائيل "، خصوصًا أنّ الكيان الصّهيونيّ كان أعدّ خطّة لاحتواء اللّاجئين الدّروز بنتيجة توقّعات مسؤوليه، من مخيمات ونقاط طبيّة وهو ما لم يحصل أبدًا.

وفي التّحوّلات المباشرة، يبدو واضحًا أنّ مرحلة الاقتراب من دمشق عبر الاندفاع إلى أطرافها الحيويّة، هو أحد أساسيّات الخطّة الحاليّة. وتشكل معركة حضَر بدايتها الحقيقيّة، حيث تعمل الجماعات المسلّحة وبجهد كبير على احتلال حضَر لربط مزرعة بيت جن وبيت جن بجباثا الخشب وإكمال قوس سيطرة يبدأ من إنخل في ريف درعا ويمرّ بنبع الصّخر ومسحرة فالقنيطرة والحميديّة وجباثا الخشب فحضَر وصولاً إلى بيت جن ومزرعة بيت جن وانتهاءً ببيت سابر على مشارف سعسع من الجهة الغربية. وحتّى اللّحظة، تشكل بلدة حضَر العائق الحقيقي لاكتمال القوس المذكور والذّي سيؤدّي مهمتين أساسيّتين:

1- المهمّة الأولى هي الحزام الأمنيّ العازل الذّي تسعى له "إسرائيل"، والذّي يؤمّن لها منطقة عازلة بعمق مقبول من الجهتين السّورية واللبنانيّة أيضًا لناحية مزارع شبعا.
2- اعتبار هذا القوس بمثابة خطّ الإنطلاق في الهجوم على دمشق من ثلاثة إتجاهات، وهي:
أ‌- الاندفاع نحو سعسع من جهة بيت سابر التّي ستكون أيضًا مع بيت جن ومزرعة بيت جن منطلقًا للهجوم باتّجاه قلعة جندل وبقعسم، والتي سينطلق منها هجوم رئيسيّ بعد احتلالها باتجاهين؛ الاتجاه الأول نحو قطنا، والثاني نحو وديان وقمم في الأراضي اللّبنانيّة، وأهمّها وادي جنعم الذّي يشكّل خلفيّة خطرة للاختراق المحتمل نحو قطنة بشكل أساسيّ، ومناطق انتشار الفرقة الرّابعة في يعفور لقطع طريق بيروت دمشق والاندفاع نحو مشارف دمشق من جهة الطّريق الدولي وقطنا. وهذا الاتجاه سيكون تحت نظر الصّهاينة وبدعم مباشر منهم، ناريّ وتقنيّ ولوجستيّ، لخطورته وأهمّيّته. إضافةً إلى تثبيت جبهة مواجهة مع العرقوب وفتح جبهة وخط اشتباك مع المقاومة اللّبنانية، تكون هذه الجماعات رأس الحربة فيها بهدف إشغال المقاومة والضّغط على مناطق تشكّل مفتاح الجنوب اللّبنانيّ .

ب‌- الاندفاع نحو قطنا من جهة سعسع، بالتّعاون مع مجموعات للجماعات المسلّحة تنطلق من خان الشّيح مدعومة بمجموعات من زاكية والكسوة بهدف تثبيت قوّات الجيش السّوريّ في هذه المناطق وإشغالها ومنعها من تقديم المؤازرة لوحدات أخرى في الخطوط الأماميّة .

ج‌- الإندفاع نحو دير ماكر وتل فاطمة وغيرها من المواقع واستعادة السيطرة عليها من محوري هجوم وهما سعسع وحسنو، وتطويق وحدات الجيش السّوريّ في بلدة جبا وتلّي الشعّار والكروم والسّيطرة عليهما. مرحلة الهجوم اللّاحق ستكون ربط القوّات المهاجمة مجدّدًا بخان الشّيح وداريّا وربط الكسوة بزاكية، وبهذا تؤمّن الجماعات المسلّحة سيطرة كاملة على امتدادات واسعة من الجغرافيا بحسب خطّة المعركة المرسومة في غرفة عمليات " موك ".

أمر آخر يجب الإشارة له، هو أنّ العّمليّات من جهة الأراضي اللبنانيّة قد تشمل مجموعات يمكن ان تتحرك من أماكن مختلفة في البقاع الغربيّ، سواءً من مخيمات النازحين في البقاع الغربيّ أو السورييّن القاطنين في المنطقة، إضافةً الى لبنانيّين مساندين لهذه الجماعات. حتّى اللّحظة، يشكّل ما تمّ استعراضه خطّة الجماعات المسلّحة وداعميها ضمن العناوين الرّئيسيّة لهذه الأهداف، ولا يشكّل بالنسبة لي أيّ تبنِّ لهذه الخطّة المكشوفة والمعلومة من قبل الجيش السوري والمقاومة، والتّي تمّ اتخاذ العديد من الإجراءات المضادّة لمنعها وإحباطها، وهو أمر سيبقى من حقّ غرف عمليات الجيش السوري والمقاومة طالما لم يتم التّحدث عنه في العلن ولم يُكشف النقاب عنه.

وما يجعلني أكتب هذه العبارات، هو أنّ ما تمّ استعراضه من خطّة الجماعات المسلّحة يندرج ضمن إعلان هذه الجماعات عن الأمر في سياق الحرب المفتوحة عسكريًّا وإعلاميًّا ونفسيًّا.

ختامًا، وممّا أعرفه، فإنّ مسرح عمليّات خطّة الجماعات المسلحة المتوقّع لن يكون نزهة لاحتواء المنطقة على نخبة من وحدات الجيش السّوريّ والمقاومة المعدّة اصلاً لمواجهة جيش نظاميّ وتحتوي على أسلحة استراتيجيّة لم تُستخدم بعد في الحرب الدّائرة في سورية، ما سيجعل هذه المعركة معركة حاسمة ودامية في الوقت نفسه.
سلاب نيوز