رمضان "جانا"..... أهلاً رمضان .. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

رمضان "جانا"..... أهلاً رمضان .. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٢ يونيو ٢٠١٥

 معالم دمشق رسمية كانت أم شعبية مدوّنة كانت أم مروية تخبرنا بمكانة ضيف يدخل البيوت جميعاً ناشراً وجوده في كل العادات والتقاليد والطعام والشراب والصلوات والزيارات والقراءات والأعطيات بدوافع ذاتية أريحية تلقائية اسمه رمضان وصفته شهر الصوم. الجارة تشرك جارتها في طبختها وجارتها تبادلها المشاركة فيما هيأت لإفطار أسرتها. تبادل حميم، رحيم، عمين، كان سائداً بين الناس فيما مضى ولاسيما في شهر رمضان الذي يسير على مدى نهاراته حاملاً شعار "رمضان كريم".
 البالغون من الصائمين في أمكنة عملهم يعملون حتى عصاري اليوم ثم يعودون إلى بيوتهم ليشهدوا ويعايشوا لحظة الإفطار مع الأسرة بأفرادها جميعاً. وسيكون للأطفال في شهر الصوم فرحٌ مزدوج يتمثل في موافقة الأهل على إيقاظهم من نومهم ليشاركوهم السحور ويشاهدوا المسحر صوتاً بندائه وضربه على طبلته وشكلاً في دقه على الأبواب والنوافذ للإيقاظ على السحور ثم اللحاق بمسجد الحي لصلاة الفجر جماعة، كما يتمثل فرح الأطفال في اجتماعهم صباحاً والمباهاة بصومهم وهم في معظمهم يتوهمون أنهم صائمون وسنجدهم يُخضعون من يدّعي الصوم لإثبات أنه صائم فعلاً وهو أن يطلبوا إليه إخراج لسانه فإن كان اللسان أبيض فصاحبه صائم فعلاً وإلا فصاحبه غير صائم وسيكون بين الصبية من يتخابث حيث يطلب من أحدهم أن يظهر لسانه فيسارع المتخابث إلا إمرار يده خطفاً أمام اللسان الممدود وينطلق هارباً معلناً أنه سرق صيام صاحب اللسان الممدود فيمضي الصبي صاحب اللسان إلى أمه باكياً وشاكياً أن فلاناً سرق صومه. تستقبله الأم هاشّة باشّة وهي تقول: أنت أتمتت صومك فقد صمت (درجات المادنة) انظر إلى الشمس كيف تخطت الدرجة الأولى والدرجة الثانية والثالثة من درجات العليّة وهذا صوم صحيح أما يوم غد فتصوم حتى ترتقي الشمس الدرجة الرابعة فتعال الآن لقد أحضرت لك طعاماً تحبه أجلس وتناول طعامك.
 لشهر رمضان حضور لافت يتمثل في بائع العرق سوس وبائع الفول وسواهما ثم يتمثل في حكواتي مقهى النوفرة ومقهى العمارة فقد كانت المقاهي بما فيها النوفرة والعمارة تعد نفسها لاستقبال روادها ما بعد صلاة العشاء والتراويح حتى وقت السحر حيث يعود روادها إلى منازلهم مع المسحر وطبلته على مدى أيام رمضان كلّها وكان لكل بلد عاداته وتقاليده خلال شهر الصوم. فالمطاعم إما تتوقف عن عملها أو إنها تواصل تقديم خدماتها لغير الصائمين ولكنها ستضع سواتر لأبوابها ونوافذها تحجبها عن المارّة كما أن المدخنين سيلتزمون عدم إظهار عادتهم علناً احتراماً والتزاماً لتقاليد السواد الأعظم. هذه الضوابط التلقائية لهذا الشهر استهين بها منذ مطالع ستينيات القرن الماضي بذريعة " التقدمية والحريّة " وكأن أصحاب هذه الدعوة يمسكون كلاً من التقدمية والحرية من ظهرها فهذه العادات والتقاليد الرمضانية هي تقاليد شعبية متأصلة في إنساننا، فلما لا ينظرون إليها من هذه الزاوية على الأقل وهم الذين يدّعون المعرفة بكل شيء أن بعض دول العالم يحتفل أهلها بأعياد اسمها " الكرنفال " يغلفون وجوههم ورؤوسهم برؤوس الحمار والقرد وهذا الوحش أو ذاك ويلحون على هذا النحو وفقاً لما وصلنا عنهم حتى يومنا هذا وبالرغم من ذلك لم نجد من يرميهم بأي شبهة. رمضان عادات وتقاليد هو عربي شعبي ممارسة وديني معتقداً ومن ينظر إليه " نظرة التقدمية والحرية " نظن أنه بحاجة إلى إعادة تأهيل في فهم كل منهما ثم إن ابن جبير وابن فضلان وابن بطوطة وسواهم وسواهم رحلوا في كثير من الأسقاع من دون طائرات وأما " التقدميون التحرريون " الذين يدعون إلى طمس التراث بذرائع التقدمية والحرية منهم فمنهم من رحل بالطائرة إلى بلاد الكرنفالات، وقد يكون من شهدها قد ارتدى قناع خنزير وعاد إلى بلده وظل مأخوذاً بذلك التقليد الماثل في الشمال المتحضر المتمدن ولكنه يثور على عادات وتقاليد وطنه وأمته أليست هذه واحدة من مفارقات هذا العصر الهجين؟!.