ميثاق الشرف الديني.. بقلم: فادي برهان

ميثاق الشرف الديني.. بقلم: فادي برهان

تحليل وآراء

الخميس، ١٨ يونيو ٢٠١٥

في خطوة لافتة وجريئة ونادرة في تاريخ العمل الديني والدعوي، أطلقت وزارة الأوقاف صرخة مدوية على مستوى العالم الإسلامي لفتت من خلالها أنظار أهل الحل والعقد في الأمة لضرورة تجديد الخطاب الديني الذي اعتراه الإرهاب والتطرف والتشدد والتكفير والتسييس والتوظيف لأغراض خسيسة وبخسة، ولتمرير مشاريع استعمارية هدفها التآمر على الإسلام كدين قبل التآمر على الأوطان، وعملاً بتعاليم الشريعة الإسلامية وللحفاظ على الإسلام المعتدل الأصيل من الانهيار والتشويه، أخذت الوزارة على عاتقها مشروع تطوير الخطاب الديني كضرورة ملحة تفرض نفسها اليوم أكثر من أي وقت مضى لتكريس الوسطية والاعتدال والعودة إلى لغة الحوار السليم والتسامح والرجوع لجوهر الدين ومقصده الحقيقي المتمثل بنشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة بالحكمة والموعظة الحسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمن الضوابط التي سنتها نواميس الشريعة.
واللافت في الميثاق هي الدقة التي صيغ من خلالها سلم أولويات الخطاب الديني الذي يراعي أهمية المسائل المطروحة على مشرحة البحث، فمن غير المعقول أن يكون توجيه الخطاب نحو مسائل بديهية أولية في حين يتعرض الدين لهجمة شرسة تهدف للنيل منه على جميع الصعد، لذا فقد شمل سلم الأولويات ترتيب القضايا المطروحة بحسب أهميتها ضمن الأصول الشرعية، فأعطى الأولوية لاحترام النفس البشرية وصيانتها وحرمة الدماء والأموال والأعراض وحرية المعتقد والتفكير، ثم اعتمد الوسطية والاعتدال مع التأكيد على الارتباط الوثيق بين الشريعة والأخلاق، ثم انتقل بأهمية المسائل الواحدة تلو الأخرى تباعاً إلى أن وصل إلى الجرأة غير المعهودة وكسر الجليد الذي تجلى بالتأكيد على تبني خطاب ثقافي ديني فكري سديد، يرسخ مفاهيم الولاء للوطن في مواجهة كل من لا يؤمن بوطن ودولة وطنية وكل من يدعو للولاء لبلاد أو مرجعية ما وراء الحدود ويتنكر لوطنه.
 والحقيقة أن هذه الدعوة بالغة الأهمية تشكل المحور الأساسي للخطاب الديني الذي ساهم في كثير من الأحيان في توتير الأجواء والمناخات وأوحى للمسلمين بأن الإسلام لا يعترف بالأوطان، ولا بالدول، وحَرَفَ ولاء المسلمين وبوصلتهم من أوطانهم وبلدانهم إلى أوطان وبلدان أخرى ترعى ديناً أو مذهباً أو شريحة ما حتى أضحى المسلم في بلده ومجتمعه غريباً يسير بثقافة وخطاب الوطن المزعوم على حساب وطنه الأصلي حتى أوصله الانجراف بالتيار إلى درجة فيها الكثير من ضروب الخيانة وفي الكثير من الأحيان. فعلى سبيل المثال:
 إذا لعب فريق كرة القدم السوري مع فريق كرة القدم السعودي تقوم شريحة من السوريين بالدعاء والابتهال إلى الله للفريق السعودي كي يتغلب على الفريق السوري، وكذا إذا لعب الفريق السوري مع الفريق الإيراني تدعو شريحة من السوريين للفريق الإيراني ليتغلب على الفريق السوري، وكذا مع فريق الفاتيكان و..و
وإذا حلَّ شهر الصيام وأعلنت وزارة الأوقاف بداية شهر رمضان المبارك فإن المجتمع يُحال إلى التفكك، فشريحة منه تصوم مع إعلان الأزهر الشريف، وشريحة أخرى مع مفتي الديار السعودية، وشريحة ثالثة مع النجف الأشرف، وشريحة رابعة مع قم المقدسة. فإذا قسمنا أنفسنا شرائح متعددة وكل شريحة تصوم وتفطر وتحج بحسب أجنداتها الخارجية، فمن المسلمون الوطنيون الذين يراعون أوطانهم وخصوصياتها ويلتزمون بولائهم لوطنهم الأم؟
إذا أردنا أن نكون حقاً مسلمين وطنيين على تنوع طوائفنا ومذاهبنا فعلينا أن نقف بكل إجلال واحترام أمام مؤسستنا الدينية الوطنية المتمثلة بوزارة الأوقاف مع احترامنا لكل المرجعيات الخارجية، لأنه لا بدّ لنا من مرجعية وطنية جامعة، تستوعب التنوع في إطار الوحدة وتحافظ على خصوصية الوطن.