تثقيف اللغو وتذويبه.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تثقيف اللغو وتذويبه.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٧ يونيو ٢٠١٥

مَن هان عليه القول ثقل عليه العمل، وليس الكسل في الواجبات تأخير تنفيذها أو التباطؤ فيها؛ فله علامات أوضح في الاشتغال بما لا يعني أو الاشتغال بما يصب في رصيد هوى صاحبه من غير خيرية تلحظ مصلحة آخرين أو مصلحة عامة في الوطن وغيره، وإن حبّ الظهور وخصوصاً عند محن الأزمات وعند تأجيج الشدائد كارثة أخرى في عبادة الأوهام وفي ترتيب شخصيات مزخرفة على حساب إلغاء نفوس تعمل في علو همة يؤرقها همَّ العباد والبلاد، قد قطف ثمار جهادها واجتهادها مَن يوظفهم اللغو لمهنية النفاقيات والانتهازيات، وأمثال هؤلاء- وخصوصاً إذا كانوا في مفاصل رئيسة مهمة- هم العقبة الكأداء في بطء عافية الوطن والحياة، فإن أي ضوضاء في صخب جماعة أو هيئة اعتبارية أو بحار من الكذب والنفاق لن تصنع سلامة وعافية ونجاحاً كما يصنعه الصدق والاجتهاد عن إيمان وإخلاص؛ فإن الله تعالى يحب معالي الأمور ويكره سفسافها، والإنسان العظيم المصلح ليس مرهوناً بمقامه وألقابه بل هو عظيم بحس أدائه وبحكمة تصرفه وبحرصه على حماية القدرات واستثمار الطاقات واصطياد الفرص الأهم، وهو العاقل الحريص الموفق قبل ذلك على درء المضار والمفاسد قبل تقديم المصالح؛ فكم من خطر أو مفسدة طوّقها عقل الحاذق الحذر خير ألف مرة من صنع مصلحة، وهذه هي حكمة المحن والشدائد التي يرسلها الله تعالى على الناس ليمحص بها الذين آمنوا ويمحق الكافرين كما جاء في القرآن: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) وكذلك: (والله يقبض ويُبسط وإليه ترجعون)، وما الآلام والأوجاع التي أصابت الأمة وأصابت هذا الوطن إلا مفرزات لحصائد اللغو في الأقوال والأعمال ثم حصائد اللهو على حساب جدية الأفعال ثم هي سوء التقدير والاختيار في رقابة توظيف المشاريع والأداء والأكفاء؛ فكل ذلك أثقال وعُقد تبطئ في الانتصار وفي صنع العافية والسلامة للديار، وقد جاء في الحديث الشريف: (ثلاث مهلكات؛ شحٌّ مطاع، وهوى مُتبَّع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه)، وإننا لسنا بحاجة إلى تثقيف لغونا عبر العلوم المجردة فالكل يقول: إن الأزمة هي أزمة قيم وأخلاق، وقد ظهر ذلك جلياً في أمثلة مخزية تناوب عليها الكثير من الناس حتى بين القرابات والأرحام وبين الأصول والفروع قد كان من المفروض تجاه ما حصل اشتداد مشاريع التوادد والتراحم وأن يكون كل منا للآخر كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً في أخوة إن لم يصنعه الإيمان- كما هو المطلوب- فلأن يصنعه احتدام الخطر الذي آذانا جميعاً من دون تفريق بين دين وآخر أو بين إيمان وعلمانية، وعلى هذا المَوْج المتلاطم تطرّفت طفرات الأزمة وعصاباتها، وكلما بقي الحال كذلك من غير إجراء على مستوى أخلاق الناس ونفوسهم جميعاً طالت أظفار السوء وتفرع عنها منابت السوء، فالشأن كل الشأن أن نحمل جميعاً ونتحمّل المسؤولية والمساءلة، وأن نتفقه في معرفة كم أسأنا لديننا ولدنيانا ونحن نظن أن الأمر ليس أولوياً في ما كان من البعض أو البعض من ترهل وارتخاء تجاه واجب ورفض ديني ألا وهو قوة الاعتصام مع قيادتنا ومع الهوية السورية في دستورها ونظامها وجيشها في صدق ولاء وتعاضد ووفاء يدفع به كل منا عن مشيئة جماعية أذيّات العصابات وظلاميات التدين المتشدد عن تطرف، ومن ثم ندحض عن ثقة وقوة واقتناع تدخلات دول أجنبية معروفة ودول من أبناء جلدتنا في العروبة والإسلام- ظاهراً- في تغيير سياسي أو في الشأن الداخلي لنظام وطننا العزيز بشكل سافر في الحقارة وفي تجاوز احترام الشعب السوري واحترام اختياره وإرادته في مصلحته العليا العزيزة في اطمئنانه إلى قيادته، وهذا المفهوم الحق لست فيه مبالغاً ولا مجاملاً ولكنه هو الدين والنص الشرعي المحكم الحق كما هو معلوم لكل مطلع متفقه يراه في ثنيّات هدي الرسول عليه الصلاة والسلام وفي الإجماع العلمي الفقهي الذي أثبته الأئمة الأعلام كما هو موثق من غير ظن ولا تردد- وعندي موثقات هذا الأمر ومصادره الثبت- لا يجهل ذلك من بحث ورأى من غير عناء، ولعلنا إن أحكمنا مشاريع التربية في حياتنا ومجتمعاتنا أو كنا جادين في تأهيل الخطاب النفسي والقلبي والأخلاقي في مستهل أي إصلاح عام مهم لا يسعنا إلا أن نذيب كل لغو في الظنون وفي الأقوال وفي المظاهر الاحتفالية والأعمال وأن نوفق في صدق تثقيف هذه الأنواع من اللغو فَنُوفّي حقوق كل ذلك ونسدد برامج التأهيل والسياسة الاجتماعية بأجمل عطاء وإيحاء وإنشاء تربوي لكل مفاصل حياتنا في قول الرسول المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تُدخله على مسلم أو تكشفُ عنه كربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً، ومَن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظمَ غيظه ولو شاء أن يُمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة، ومَن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزِلّ الأقدام، وإن سوء الخلق ليُفسد العمل كما يفسد الخلُّ العسلَ) صحيح الترمذي