كُتب عليكم الصيام.. بقلم: فادي برهان

كُتب عليكم الصيام.. بقلم: فادي برهان

تحليل وآراء

الاثنين، ١ يونيو ٢٠١٥

شُرع الصيام لتهذيب النفوس وكسر الشهوة والهوى وتحسين الأخلاق والترفع عن الصغائر والسمو والعروج ضمن مدارج الكمال لتتقوى النفس على التقوى وترتقي من حضيض حظوظ النفس البهيمية إلى ذروة التشبه بالملائكة الروحانية، وسرُّ الصوم وروحه وجوهره والمقصد الأصلي منه هو التخلق بخلق من أخلاق الله إلا وهو الصمدية، وتهذيب الغرائز، حيث أكد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك فقال : (الصوم جُنة) أي سترٌ من آفات الدنيا وحجاب من عذاب الآخرة وقطع الهمة عن خطوات الشياطين وطهارة للباطن من كل كدر وغفلة وظلمة وتوحيد للصفوف بإدراك الأغنياء ألم الجوع والانتقال منه إلى شدة حال الفقراء فيبعثهم ذلك على مواساتهم بالأموال والأقوات.
وسر وحدة الصف والموقف هو توحيد المشاعر الذي يُبنى على الوحدة نفسياً ومعنوياً وينطلق ليُترجم على أرض الواقع عملياً أخوةً ومحبة وتضامناً فيشعر المرء وكأن المجتمع كله نفسٌ واحدة في جوعه وعطشه وكف نفسه عن الحرام والامتناع عن الأكل والشرب وتوحيد وقت الإفطار ومواعيد السحر إلى غير ذلك من العوامل التي تدفعنا شئنا أم أبينا إلى التصالح فيما بيننا لنستثمر موسم المغفرة لصلة الرحم وإعادة العلاقات المقطوعة وإصلاح ما فسد منها والتسامح وعودة المياه إلى مجاريها.
وبناءً على ذاك التشريع وتلك المقاصد نتساءل اليوم: هل حقق المسلمون هدفهم المنشود من الصيام؟
هل ساهم هذا التشريع في تهذيب النفوس وصقلها وتوحيد صفوف المجتمع بدءاً من المشاعر وصولاً إلى التكافل الاجتماعي ووحدة الصف والكلمة والموقف معنوياً وسياسياً واقتصادياً و..و..؟
أم اختلف المسلمون فيما بينهم حتى على عوامل ومقومات وحدتهم؟ فبدل أن يوحدهم الصيام باتت كل شريحة من المسلمين تصوم بناءً على مرجعيتها حتى لو بَعُدَت المسافات بينهما!!..فعلى سبيل المثال بات المسلمون اليوم فرقاً ومذاهب في مسألة الصيام فشريحة كبيرة من المسلمين تصوم بناءً على إعلان مفتي الديار السعودية وشريحة أخرى بناءً على إعلان الأزهر الشريف في مصر وآخرين بناءً على إعلان المرجعية في النجف الأشرف..وطبقة أخرى بناءً على إعلان المرجعية في قم المقدسة هذا ما عدا تعدد المرجعيات الدينية داخل البيت الواحد كالنجف أو قم الذي يحوي عدة مكاتب مراجع، أو الوقف السنّي في العراق المتعدد الأقطاب فإذا أعلن أحدهم الصوم خالفه الآخر، مضافاً لما تعانيه الأمة من تشققات واختلافات مذهبية فأهل السنة والجماعة _ مع كامل احترامنا لكل المذاهب والأطياف _ يفطرون بناءً على توقيتهم المرتبط بأذان المغرب بينما يتأخر أذان الشيعة ما يقارب أربع إلى خمس دقائق عن أذان السنة، وبالتالي فقد اختلف الطرفان حتى في الإفطار، وادعى الشيعة صحة وصوابية موقفهم بناءً على الآية القرآنية الكريمة (.. ثم أتموا الصيام إلى الليل..) بينما أكد السنة صحة إفطارهم بأن الليل هو دخول قرص الشمس في المغيب لا أكثر، كذلك انطلاقاً من الآيات القرآنية الكريمة اختلف المسلمون أيضاً على موضوع الإفطار في السفر (..فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر..) فالشيعة يفطرون في حالة السفر حتى لو لم يرافقه مشقة وتعب، بينما يرى السنة عدم جواز الإفطار في حالة السفر التي لا يشعر الصائم فيها بالتعب أو المرض..
والسؤال الذي نطرحه بإلحاح:
هل حقق الصوم جوهره؟ أم أفسده المسلمون بدخولهم في تفاصيله وخلافاتهم الجانبية التي لا أساس لها من الصحة؟؟
ثم إلى متى سنبقى على حالنا المتردي نختلف حتى في عوامل توحيدنا؟؟ فمتى نستيقظ من غفلتنا؟؟