تقسيم سورية... بين الواقع والأحلام

تقسيم سورية... بين الواقع والأحلام

تحليل وآراء

السبت، ٣٠ مايو ٢٠١٥

 كثُر الحديث في الايام الماضية وبشكل كبير عن حتمية تقسيم سوريا، وغصت عشرات الصحف والقنوات التلفزيونية بالتحليلات التي تصب في هذا الاتجاه، ما بين متوجس وحاسم لفرضية التقسيم كأمر واقع، وفاضت الاقلام بحبر التقسيم  فلم يبق الا ترسيم الحدود  واعلان الدويلات الجديدة.
قبل البدء بسبر غور الواقع الميداني السوري اليوم وحقيقة ما يجري على الارض، لا بد من الاشارة الى ان  الدوائر المختصة في واشنطن اوعزت الى الاعلام الغربي التركيز على موضوع تقسيم سوريا هذه الفترة وتحديداً قبل انتهاء المهلة المحددة لتوقيع الاتفاق النووي.

جاشوا لاندز، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما الأميركية، قاد الحملة، وسانده بها روبرت فورد السفير الامريكي السابق في دمشق، الذي قال للصحافيين بُعَيد الاحتفال المخصص لمنظمة حقوق الانسان، ان عليهم التركيز على موضوع تقسيم سوريا أكثر من اي وقت مضى.
فبدأت كبريات الصحف الامريكية بالترويج لموضوع التقسيم وقامت الصحف العربية التي تسير في ركب المنظومة الإعلامية، الصهيو- أمريكية بتلقف "التعليمة" والاستفاضة بها، ووقع بعض الاعلام المؤيد لمحور الممانعة في المنطقة في فخ التوجس، الى درجة اخافت الجميع  واصبح الحديث عن التقسيم هو حديث الساعة والهاجس الاكبر لدى الجميع وخصوصاً بعد التطورات الاخيرة في الرمادي العراقية وغير مكان في سوريا.
إنها كذبة مفتعلة تطابق في تسويقها شروط غوبلز في الدعاية، على قاعدة اكذب واكذب واكذب حتى يصدقوك. ولعل توقيت بث هذه الاشاعة، تزامناً مع السقوط الغامض لتدمر وقبلها الرمادي وقبلهما ادلب وجسر الشغور، معطوفةً على انخفاض في مستوى "توازن الرعب" السياسي والدبلوماسي في كل من طهران وموسكو، جاء في خدمة هذه الكذبة الكبيرة، حتى كاد المؤمن بالانتصار أن يشك به، ويتزعزع ايمانه وتسقط من فكره ادنى عناصر فشل هذا المشروع وهي كثيرة.

خلال السنوات الخمس الماضية، وتحديداً قبيل الانتصار المفصلي الكبير في القصير، كانت دبابات الارهاب التكفيري قد وصلت الى سور مطار دمشق، وهي تتجهز لقصف القصر الرئاسي. حينها، كانت الجماعات المسلحة تسيطر على اكثر من 75 بالمئة من الجغرافيا السورية، فلماذا لم يخشَ الشعب السوري المؤمن بدولته خطر التقسيم؟ ولماذا لم تنبرِ وسائل الاعلام التابعة للمحور الذي يستهدف سوريا، للحديث عن التقسيم ولو بربع ما تفعله الان؟ وان كان السبب يرجع الى اعتقادهم بأن المطلوب حينها، اسقاط النظام بالكامل وليس اقتطاع اجزاء من سورية، وتحويلها إلى دويلات، فالحديث عن التقسيم الآن يؤكد اولًا فشل هذا المحور في اسقاط النظام واعتراف غير مباشر بصعوبة اسقاطه، ويثبت ثانياً ان من استطاع في تلك الظروف الصعبة جداً، أن يمنع سقوط سوريا، هو قادر ايضاً على منع مشاريع التقسيم سيما وان وضعه اليوم افضل بكثير مما كان عليه قبل كانون الثاني 2013.
بالعودة الى وضع الميدان، لا بد من مقاربة واقعية وبعيدة عن اسلوب التجييش ورفع المعنويات. ففي بداية الحرب على سورية، كان المطلوب من الجيش السوري الدفاع عن كامل التراب السوري والانتشار فيه، اي 185 الف كلم مربع. ولو اعتبرنا اننا بحاجة لعشرة جنود في الكيلومتر الواحد فنحن سنكون بحاجة الى اقل من مليوني جندي بقليل، لذلك كانت اولوية الجيش حماية العاصمة ثم المدن الكبرى ثم ما بينها، والانتقال بعدها الى المساحات الجغرافية الباقية على اساس القضم والضم.

حقق الجيش نجاحاً في الخطة، ورأينا انجازات مهمة لا يمكن نكرانها، وبالرغم من شراسة الهجمة "الكونية"، تمكن الجيش العربي السوري من هزم ارادة العالم اجمع، ولو قُدر لأي جيش في العالم نفس المواجهة لسقط منذ الاشهر الاولى. لكن هناك مسألة هامة جداً تغيب عن اذهان المراقبين، ان التدفق الدائم  لآلاف الارهابيين على سورية شكل خطراً مستمراً، فكلما تخلص الجيش من مجموعات مسلحة واستعاد منطقة ما، اتى مقاتلون جدد واعادوا استنزاف الجيش مراراً وتكراراً، في حين ان الجيش السوري عديده ثابت وما يخسره من عديد لا يمكنه استرداده من الخارج. لذلك، بات على الجيش ان يغير في اولوياته، وان يحافظ على جنوده المقاتلين لأنّ الحرب طويلة، وان يعيد تجميع تلك القوات وعدم بعثرتها للامساك الدائم بزمام المبادرة وتغيير التكتيك القائم، لذا تعكف قيادة الجيش السوري الآن على اعادة درس تكتيكاتها من منطلق التخفيف من التبعثر الجغرافي وتركيز القوات تماماً كما يفعل الارهابيون حينما يجمعون قواتهم ويهجمون بأعداد كبيرة على جغرافية محددة.

وعليه، فإنّ خسارة بعض المناطق، على اهميتها، قد يبدو مكلفاً في سياق الصراع القائم، الا انه لا يعني بتاتاً ان الموازين انقلبت او ان هناك تسوية اقليمية ما، على حساب سورية، خصوصاً وان ايران، الداعم الاكبر لسوريا، كانت وما زالت، واليوم تحديدًا عبر وزير دفاعها الجنرال دهقان، تؤكد على وحدة سورية والوقوف بشدة في وجه كافة مشاريع التقسيم. وايران التي فصلت بحث ملفها النووي عن اي ملف اخر، لم ولن تمنح الغرب الآن ما لم يأخذه خلال المفاوضات. اما الحديث عن تراجع في الموقف الايراني فهو عار عن الصحة، واذا ما نظرنا الى الزيارات المتكررة لأركان الحكم السياسي والعسكري الايراني الى سوريا في الشهرين الماضيين، سنجد ان الايرانيين يبحثون مع نظرائهم في سوريا، سبل شبك المحور عسكريًا وإلغاء الجغرافيا المقاومة بين لبنان وسوريا والعراق لتكون جبهة واحدة في مواجهة جبهتي داعش والنصرة وما بينهما، وهذا ما اكده وروّج له سماحة الامين العام حينما دعا في خطاب التحرير الى تكريس المعادلة الثلاثية وتفعليها كجبهة واحدة. وهنا لا بد من الاشارة الى ان التروي الايراني، نابع من هدف تفويت الفرصة على اي تعطيل للاتفاق النووي القادم، وهذا ما تسعى اليه "اسرائيل" وجماعتها في الكونغرس، وخلفهما ممالك الخليج لاستدراج ايران الى مواجهة بتوقيتهم هم.