سلم أولويات الموقف الشرعي.. بقلم: فادي برهان

سلم أولويات الموقف الشرعي.. بقلم: فادي برهان

تحليل وآراء

الخميس، ٢٨ مايو ٢٠١٥

عندما كان الصراع في أشدّ مراحله في حرب صفين بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) ومعاوية بن أبي سفيان، وفي ليلة الهرير، دخل عبد الله بن عباس إلى أمير المؤمنين علي (ع) وقال له: يقولون إن الروم حشدت جيوشها، ومن دون أن يكمل قاطعه الإمام (ع) قائلاً: والله إن عزموا لوضعت يدي في يد ابن أبي سفيان ورابطت على الثغور لأردَّهم وأفنيهم عن بكرة أبيهم.
تتجلى في هذه الرواية بوضوح روح الترفع عن الخلافات الداخلية في مقابل مواجهة العدو الخارجي والنظرة الاستراتيجية التي يتمتع بها أمير المؤمنين علي (ع) في المحافظة على الرسالة السماوية التي جاء بها رسول الله (ص)، والحقيقة أن الرواية تكشف الكثير من المضامين المهمة للغاية فعبد الله بن عباس لم يقل للأمير (ع) إن الروم حشدت جيوشها بل قال: يقولون...، بمعنى إنه لم يثق بالخبر بل نقله عن لسان من قاله.. وبالمقابل كان رد الإمام علي (ع) سريعاً وبنفس الوتيرة حيث قال: والله إن عزموا.. ولم يقل والله إن فعلوا أو إن هجموا.. أي إذا فكروا في الحرب وعزموا عليها فسأضع يدي في يد ابن أبي سفيان..
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح:
إذا كنا نقتدي بأمير المؤمنين علي (ع) ونتبعه اتباع الفصيل أثر أمه (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة..) ونعلن للقاصي والداني أننا نتمثل بسيرته التي لم يقدح بها أحد من كافة الانتماءات من الشرائح والطبقات فما موقفه (ع) فيما لو حضر الاحتلال الأميركي للعراق؟
هل سيقف الإمام علي (ع) مع الدولة العراقية الوطنية وقواتها المسلحة لرد الغزو عن أرض العراق بغض النظر عن الخلاف بين شريحة من الشعب العراقي وبين الرئيس السابق صدام حسين؟
أم سيقف مع قوات التحالف لتدمير الجيش العراقي ويدخل على الدبابة الأميركية معلناً إسقاط الرئيس وتفكيك الجيش وحلّ كافة مؤسسات الدولة؟
وإذا كان الإمام علي (ع) قد سقى الماء لجند معاوية عندما سيطر على الآبار ولم يضربهم بيد من حديد انتقاماً وتشفياً لأنهم منعوه من الماء حين سيطروا عليها، فهل كان سيضرب بيد من حديد ويقتل هذا الكم الكبير من الشعب العراقي معلناً نصره الوهمي ومصدّراً قانون اجتثاث البعث؟
عندما انتصرت المقاومة الإسلامية (حزب الله) عام 2000م في لبنان وانسحب العدو الصهيوني من على تراب الجنوب الطاهر بفضل دماء الشهداء وتضحيات الشرفاء وأعلن سماحة الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله النصر المؤزر وأهداه للرئيس المؤسس حافظ الأسد حينها، لم يعلن قانون اجتثاث العملاء ولم ينتقم أو يتشفى منهم بالرغم من قدرته الفائقة على ذلك ومعرفته التامة بأنه لن يكون بمقدور أحد أن يحاسبه، بل أحالهم إلى القضاء اللبناني لينالوا جزاءهم العادل بالقانون.
فلماذا لا يُحال المواطن العراقي إلى القانون ليحاسب إن اُعتبر مذنباً أو مجرماً؟
 ونحن نسوق هذه الذكرى التاريخية المجيدة مع الفارق بين العميل اللبناني الذي تعامل مع إسرائيل ولم يحاسب إلا بالقانون وبين المواطن العراقي الذي انتمى لحزب قومي عربي يعبر عن تطلعاته في الوحدة والحرية والاشتراكية واُجتث من جذوره بناءً على أهواء وأمراض نفسية معقدة.
 فهل يستوي المواطن العراقي الشريف مع العميل اللبناني؟
 فكيف استطاع السيد نصر الله أن يتمثل أخلاق جده رسول الله (ص) وأمير المؤمنين علي (ع) ولم يستطع قادة العراق الجدد أن يكونوا بهذا المستوى؟
ولعل لقائلٍ أن يقول: إن شريحة لا بأس بها تعرضت للظلم من نفس النظام البعثي العراقي السابق الذي قاده الرئيس صدام حسين فاستعانت بأميركا لرفع هذا الظلم !! فنقول: إذا تعرض المواطن العربي للظلم من قبل رؤسائه _ ونحن نعترف بوجود الأخطاء _ فهل يدفعه ذلك للاستقواء بقوات التحالف الدولية لتدمير بلاده ونشر الفوضى الخلاقة على كامل مساحتها الجغرافية؟
وهل حقاً تعرض المواطن العراقي للظلم والاستبداد؟ ومع التسليم بذلك فهل يجوز شرعاً أن يُستبدل الحاكم المحلي الظالم باحتلال وفوضى وإرهاب؟