نقد الظواهر التدينية.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

نقد الظواهر التدينية.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الخميس، ٢٨ مايو ٢٠١٥

أصبح من المؤكد اليوم إعادة النظر المتدبر في المآسي الناشئة عن سوء التفهم الديني وما تفرق عنه من كوارث تجمعها عن بغي وظلم عليها كلمة (إسلامي) حيث اندفع من جراء ذلك جبهتان خطيرتان؛ واحدة تطبع كل عنف وتطرف وجاهليات وتخلفات باسم إعادة تعزيز هذا الدين وفرضه على الناس والدول والمجتمعات، ولو كان في رفض هذا الأسلوب الفساد والتخريب والتدمير؛ والجبهة الثانية؛ دعوات حديثة تحسب أنها صحوات لتجديد هذا الدين بتحطيم عناوينه ورموزه الثابتة والمتغيرة وبوسم رجاله وعلمائه ومجاهدي العلم والبطولات الميدانية بأوصاف صنمية فيها الكثير من العدوان على شعائر الله تعالى ومن يمثلها عن استعجال في تسطيح المنجزات الحضارية لهذه الأمة، وكأنها الآن بدأت تستيقظ، وبالرغم من كل هذه الجرأة في الحالتين لم تظهر على الساحة الإسلامية الغيورة أي دعوة حكيمة متعقلة تضع الحق في نصابه عن توثيق وإقناع مع أن هذه الأمة لا تخلو من أصحاب هذه الدعوات الجهابذة العلماء الأجلاء، ولكن عدم ظهورهم أو عدم إظهارهم للملأ عبر الإعلام أو لابتعادهم عن منصات الدفاع عن هذا الحق في الإسلام الشهودي الكوني، قد أفسح مزيداً من مجالات الحاقدين والمارقين والمتطرفين ومن يمولهم من أعداء تاريخيين مستكبرين معروفين لاستغلال مساحات الإقناع للناس ومن ولدت لديهم عقد المدينة الحديثة وبلاءات الإباحية لإغرائهم بملاذات خادعة حالمة تصبح فيها الجريمة شهادة وفوزاً بالجنة والحور العين مع تعاطفات مغرية من سوائل الدولار من غير كد ولا نصب؛ وما بات اليوم معروفاً.
من هذا كله تدعمه أنواع مؤثرة ومهمة من وسائل التواصل الاجتماعي التي نفذت إلى كبار المسؤولين في العالم وإلى أجهزتهم السياسية والأمنية والإدارية!.. إضافة إلى ذلك برزت بصورة مهزوزة أطراف وشخصيات من صغار طلبة العلم وممن يندفعون غيرة على هذا الدين العالمي الحكيم من غير أن يكونوا ناضجين أو بالغين أو محققين، قد انتفخت أودجاهم وبُحّت أصواتهم فأزبدوا وأرعدوا وهم يحاولون الإقناع في الدفاع عن هذا الدين وعن رموزه وشعائره، فأظهروا لدى أولئك ضحالة فهمهم وضعف وسائلهم، وكأنهم قد أقنعوا المعارضين من مخالفين وناقدين لتاريخ التشريع الديني عن غير قصد بأن ما عليه أولئك يستحق فهمه وتأمله والاهتمام به!.. إننا اليوم أمام مشكلتين مهمتين؛ الأولى: إننا في مناهجنا التعليمية لطلاب العلم في المعاهد وكليات الشريعة على مستوى الأمة كلها لا نزال نردد نفس الأمثلة والقواعد التي جاء بها سلفنا الصالح وعلماء الأمة الأجلاء في زمنهم قبل أكثر من ألف سنة أو أقل قليلاً في مجريات عصورهم وحوادث مجتمعاتهم فشرعوا منها الأحكام، وصاغوا من خاصها وعامها القواعد والأصول اهتداء واستنباطاً عن إعداد واستعداد وتوثيق واجتهاد استثمر من القرآن الكريم ومن السنة النبوية، ومن أجلاء الصحابة وعترة أهل البيت رضوان الله عليهم، وهؤلاء جميعاً رحمهم الله تعالى قد استقصوا جهودهم في خدمة الدعوة والرسالة الربانية وفي خدمة الأمة الخيرية.. أما نحن اليوم في الجهات التي ترعى كل جهد ديني وإسلامي ووقفي في العلم والرعايات الشرعية والأخلاقية والإرشادية فلا نزال نعيش هياماً سالفاً وتقديسات وتبريكات مشيخية وعظية قد زُينت عن إسراف بالألقاب والتفخيمات وتلمس الاستشفاءات وتزاحم طلب الدعوات الصالحات، ثم في حصاد كل ذلك نجد الأمة والمجتمعات الإسلامية إلى مزيد من الجاهليات والتخلف واختراق الرقم القياسي في ممارسة الفسق والفواحش والمنكرات، وفي امتلاء النفوس بالأحقاد والأنانيات والكراهية؛ هذا؛ إن لم نمارس من وجه آخر عدواناً لبقاً بلبوس أناقة وغيرة "منافقة" على المصلحة العامة وهي تكتم عن ضغط وإحكام رعونات نفوس أصحابها ودسائسها، فلا نسمح للأنقياء الشرفاء فينا الثقات في دينهم وعلمهم ووطنيتهم وغيريّتهم بأن يلمع أي نور من وجودهم وظهورهم؛ فانقلب التدين على آثار ما سبق ومعه مظاهر صيحات الدعوة إلى الله إلى مهنية وإلى تكسبية وإلى اجتذابات إعلامية وتصدرات اجتماعية ربما كانت هي الأبرز على ما يجاورها من تدينات ودعوات وجهود إصلاحية صادقة متمكنة مخلصة، ولكن لم تساعدها أو تعنْ معها وسائل الإظهار!..؛ فهل يكفي في وسط ما يهدد هذه الأمة من أخطاء جريئة وقحة على كرامتها في وهابية وفي عصابات إرهابية إجرامية مشهودة وفي تخبط في التدين والسلوك والأخلاق أن نبقى كما تئن تباريح أحوالنا من تفاقم الأذى والخطر من غير جمع الكلمة وروح جماعة وتمكن معرفي علمي وفقهي، لنجتهد في صياغة فقه متجدد حسب الأصول لا حسب الأمزجة والميول لمواجهة الموجات الهائلة في المستجدات الدينية والدنيوية المتلاحقة في جميع شؤون الإنسان والمجتمعات والحياة؟! بحيث نردد قول الشاعر:
لسنا وإن أحسابنا كرمت        يوماً على الأحساب نتكلُ
نبنـــــــــي كما كانت أوائلنا           تبني ونفعل مثلما فعلــــــــــوا
أم إننا نبقى مكتفين بتصحيح صورتنا ونحن نستعير الخطاب التمجيدي الذي يرمي بمشكلات الواقع وتحدياته على العوامل الخارجية من دون أي مبادرة جادة تنطلق من نقد الذات العربية والإسلامية؟!
وما يُجدي التمدح بالأوالي        إذا لم تفخروا فخراً جديداً؟!