الصراع على الشرق الأوسط

الصراع على الشرق الأوسط

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٢٦ مايو ٢٠١٥

كان ومازال بين أميركا وروسيا المتطلعتين إليه دائماً وأبداً على وجه الخصوص، إنه صراعٌ قديمٌ حديثٌ بين ستالين وروزفلت، مروراً بأيزنهاور ونكيتا خروتشوف، وصولاً إلى بوتين أوباما والحديث المستمر بينهما، حيث مازالت أميركا تنظر إلى روسيا على أنها الاتحاد السوفييتي السابق، والحرب باردة أم ساخنة، مستمرة وقائمة، علنياً وفي الخفاء، والكراهية بينهما، بدأت فعلياً منذ قيام ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917، وكم كانت تتمنى أميركا، لو أن هتلر اجتاح موسكو، وقضى على روسيا أثناء الحرب العالمية الثانية، ولو حدث ذلك لكانت أعلنت في ذاك الوقت قطبيتها الوحيدة، وسيطرتها النهائية على العالم، إلا أن ستالين وبديكتاتوريته الوطنية مع القائد جوكوف، استدعى ضباطه الشبان، بعد أن كان قد اجتمع إلى قادة جيوشه وفيالقه الكبار، الذين قدموا له رغبة في توقيع معاهدة سلام مع هتلر (استسلام)، خرج من الاجتماع والتقى ضباطه الشباب، وسألهم كيف يكون النصر؟ فأجابوه في برلين، نعلن الانتصار، واجه الشبان بالقادة العتاة، وأمرهم بإعدامهم، لينطلق الجيل الجديد من موسكو إلى برلين، حيث كانت الصدمة لأميركا وحليفتيها فرنسا وبريطانيا، ليتضاعف الحقد، ويظهر الاتحاد السوفييتي من مركزه روسيا صاحب المبادرة والقوى الحامية لمنظومته والدول المستضعفة.
وهنا تظهر لنا قيمة وقوة تداخل السياسة بالعسكرة، فلا ينبغي ترك الحرب للعسكريين فقط، بحكم أنها تحمل أموراً بالغة الأهمية، وترك الأزمة بيد العسكر فقط، مغامرة غير مأمونة الجوانب، وإشراك الدبلوماسية السياسية والفكرية التي تري مالا يرى، من أجل تحقيق انتصارات فعالة، تحمل ديمومة الانتصار، وتلغي من أفكارها لغة التقهقر والانكسار، ولا تعرف تقديم المبررات الوهمية أمام لغة التعامل مع الواقع، من دون التحليق بالأوهام، واستخدام المراهنات على طاولة الروليت، أو ضمن لعبة البوكر.
وإذا ما عدنا إلى عنواننا، لنتحدث عن رؤية أيزنهاور، فماذا نجد لحظة أن وجّه خطاباً للكونغرس الأميركي عن الوضع في الشرق الأوسط، كان ذلك في كانون الثاني من 1957، وصدّق عليه الكونغرس في آذار من العام ذاته، حيث كان محتواه الدقيق: (إن بمقدور أي دولة في الشرق الأوسط بشكل خاص والعالم أجمع، أن تطلب المساعدة الاقتصادية أو العون من القوات المسلحة الأميركية، إذا ما تعرضت لاعتداء مسلح، أو غير مسلح، من دولة أخرى) كان هذا بمنزلة إعلان حرب خفية في مواجهة النفوذ السوفييتي، الذي أخذ بالانتشار والتمدد آنذاك، وأيضاً تعويضاً عن انحسار النفوذين الفرنسي والبريطاني من المنطقة، حيث ظهرت بدايات تطور مشروع الكراهية بالمنظومة الاستعمارية الأوروبية، كان هذا نتاج تطور المشاريع القومية وحركاتها وانتشارها بسرعة على جغرافية الوطن العربي، وبشكل خاص سورية ومصر.
وحينما ننظر إلى هذا المبدأ، نجده يتجاهل تماماً منذ ذاك الوقت دور مجلس الأمن والأمم المتحدة علانية، ويتيح للولايات المتحدة الأميركية حرية نشر قواتها في أي مكان من العالم، والدخول في عمليات عسكرية، من دون الحاجة لأي قرار من المنظمة الدولية، التي يعتبر من أهم اختصاصاتها النظر في النزاعات الدولية، وفق الفصلين السادس والسابع من مبادئها، وكان أول تطبيق لما طرحه أيزنهاور في عام 1958 عند نزول القوات الأميركية في بيروت حتى وقوع النزاع الأهلي، هذا المبدأ لم يتوافق مع المواثيق الدولية، وعارضه الاتحاد السوفييتي، ووقف بوجهه بشخص رئيسه نيكيتا خروتشوف، إذ لم يكن هناك عدوان عسكري، ورغم تعاقب الرؤساء الأميركيين، نجد حتى اللحظة، أنَّ جميعهم يعملون به، وكأنه دستور لهم، وذو أهمية قصوى، فهو الذي يمنحهم التسهيلات لممارسة دور القوة العظمى في العالم، وحتى اللحظة، والمشهد الآن وكأنَّ به في زمن ستالين روزفلت وأيزنهاور خروتشوف، بحكم أن الصراع الحالي قائمٌ بين أوباما وبوتين، فأوباما يجيّش أوروبا ضد روسيا بوتين، ويفعل أوباما ما يريد في الشرق الأوسط، بأساليب خبيثة، رافعاً مستوى الكراهية إلى أعلى درجاته، والعالم يشهد الآن تلك الدعوات الصريحة لمعاداة قادة روسيا، وملئهم بالحقد والكراهية ضد بوتن بشكل خاص، وكلّ من يخالف سياساتهم في الشرق الأوسط، وهنا أتحدث بعجالة عن السياسة بأنها صانعة الودّ والكراهية من خلال لعبة المصالح، وما يهمّ أميركا منذ قيامها الذي أسّس لنظام عالمي جديد هدفه الرئيس السيطرة على العالم أجمع، حتى إن التقارب الصيني الروسي، بدأت تظهر روح العداوة الأوروأميركية له، والغاية طبعاً الاقتصاد ومنع التمدد، وإبقاء السيطرة كاملةً على الشرق الأوسط، بعيداً عن روسيا والصين، وبشكل خاص ما يجري الآن في اليمن، أو العراق، أو سورية، أو ليبيا، فهل نتأمل ما يجري بدقة؟ وهل الاستراتيجية الأميركية التاريخية وحتى اللحظة، تفتقد للوفاء؟ طبعاً لم تمتلك الوفاء إلا من خلال استسلام الآخر لأوامره، ونتأمل معنى الوفاء الأوروأميركي لشعوبنا، والمراقب لمسارات إنشاء القاعدة، ومن ثمّ داعش، وامتدادهما عبر النصرة وما شابهها، يظهر الشكّ الكبير في مسيرة ليس الرئيس أوباما فحسب، وإنما جميع رؤساء أميركا، فماذا حققوا للقضية الفلسطينية، وللقضايا العربية، غير الدعم المطلق للكيان الصهيوني المستمر في تعزيز لغة الفرقة والاغتصاب، وانتهاك الحقوق، وبثّ الكراهية بين شعوب المنطقة ضد قياداتها التي تختلف مع المشروع الأوروأميركي الصهيوني، وإني لأثق كما يثق كلُّ السوريين الشرفاء، بأنَّ سورية ستفعلها، وتحقق إيماننا المطلق بتحريرها من الغزاة، مهما جمعوا لهم، وقدموا الدعم العلني والمخفي، ننتصر انطلاقاً من دمشق حتى عين ديوار، من دون توقف ولا هوادة، فالهمُّ والمهمُّ سورية أرضاً وشعباً وقيادةً، أن تنتصر ولا شيء غير ذلك، وحينما أستحضر ذاكرةً من التاريخ، أنشد من خلالها مقاربة الظروف وتقديمها للواقع، ففي ذلك من المفيد الكثير.
د.نبيل طعمة