من زنوبيا إلى أحفادها .. بقلم: غسان يوسف

من زنوبيا إلى أحفادها .. بقلم: غسان يوسف

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٦ مايو ٢٠١٥

يقول كتاب التاريخ: إن زنوبيا كانت تلقب بـ"الملكة المحاربة" لأنها كانت تعتمر (خوذة أبولو) وتتقدم جيشها في الحروب إلى أن فرضت سيطرتها من شواطئ البوسفور حتى النيل، إلى أن أصبحت أهم الممالك وأقواها في الشرق على الإطلاق، ما دعا الإمبراطور الروماني أورليانوس للتفاوض معها كإمبراطورة هذا الشرق إلى أن اقتنص الفرصة في محاربتها والقضاء على مملكتها!
لكن الحكاية تقول أيضاً: إن الشعب الروماني كان يتحدث بسخرية عن حرب شنها حكام روما ضد امرأة، ولكنه لا يعرف مدى قوة شخصية هذه المرأة ومدى بسالتها!
من يفكر بما تتعرض له سورية حالياً وما تعرضت له في الماضي، يعرف أن الحضارة السورية كانت مستهدفة منذ بداية التاريخ، ألم تكن هي الهدف لغزو القبائل العربية الجاهلية الباحثة عن الكلأ والماء في بلاد تمور بالحضارة والخصب.. مقابل صحراء تمور بالرعاة الحفاة الذين يفتخرون بمعارك كداحس والغبراء!
ألم تكن سورية مطمعاً لإمبراطوريات العالم من فارسية ورومانية ومغول وتتار ومماليك وفرنجة وأتراك... الخ
ماذا يختلف ما فعله هولاكو ببغداد عما فعله أورليانوس بتدمر؟ وماذا يختلف ما فعله الأتراك بدمشق والقاهرة عما فعله الصليبيون بالقدس وغيرها من المدن السورية؟ أو ما يفعله الصهاينة في فلسطين، والأميركان في العراق، والسعوديون في اليمن، وداعش والنصرة في سورية بدعم واضح من دول عالمية تدّعي الرقي والحضارة!
هل اختلف ما قاله الجنرال غورو عند قبر صلاح الدين (ها قد عدنا يا صلاح الدين) عما يقوله أردوغان من أنه سيصلي في الجامع الأموي!
أحفاد زنوبيا وصلاح الدين ويوسف العظمة وصالح العلي وسلطان باشا الأطرش وإبراهيم هنانو وكل الشرفاء لن يسمحوا لهؤلاء الهمج بتدمير تاريخ سورية وحضارتها.
من شاهد شباب تدمر الذين تجاوز عددهم الآلاف، وهم يهبون للدفاع عن مدينتهم التي تمثل رمز الحضارة السورية العريقة، يعرف أن (أحفاد زنوبيا) لن يرضخوا لأي تهديدات ولن يستسلموا لغزوات بربرية مدعومة من أكبر دولة في العالم تدّعي حماية الحضارة والدفاع عن حقوق الإنسان!
أين ذهب التحالف الدولي ضد الإرهاب ؟! ألم يشاهد العالم كيف دعمت تركيا ومن خلفها حلف الأطلسي ما يسمى (جيش الفتح) بالدخول إلى إدلب وجسر الشغور؟ وهم أنفسهم الإرهابيون التي ادّعت أكبر دولة في العالم أنها ستقاتلهم، وصدّرت أكبر منظمة دولية ثلاثة قرارات من أجل ذلك، ألم يشاهد التحالف الدولي أرتال داعش وهي تسير في صحراء مكشوفة باتجاه الرمادي وتدمر؟! هل تدخلت الولايات المتحدة وحلفاؤها لإنقاذ متحف الموصل ومدينة نمرود أو الآثار العالمية؟!
الخطة تقضي بأن يتصارع الجميع هنا لتدمير حضارتهم بأيديهم، وتبقى إسرائيل هي (الدولة الديمقراطية الوحيدة) ذات الحضارة، ولكن ماذا نقول لمن يعلن عن طلب قطاعي رؤوس لتوظيفهم في دولة مازالت تنفذ حكم الإعدام بحد السيف! فهل يختلف ما تقوم به داعش عما تقوم به هذه الدولة؟ أليست الثقافة نفسها والعقيدة نفسها؟ّ
آهٍ من أمة تحن إلى الجاهلية!! وويل لأمة تدمر حضارتها بأيدي أبنائها!! وشعب يأكل وطنه !!