دع عدوك يلعن نفسه قبل أن تلعنه أنت!!.. بقلم: د.بسام الخالد

دع عدوك يلعن نفسه قبل أن تلعنه أنت!!.. بقلم: د.بسام الخالد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٦ مايو ٢٠١٥

Bassamk3@gmail.com
في عام 1983 تعرفت على طالب سوري كان قد أنهى دراسة الهندسة لتوّه في بودابست العاصمة المجرية، عندما كنت أدرس في معهد الصحافة الدولي هناك، وبعد شهور أصبحنا صديقين، كان وقتها الغزو الإسرائيلي للبنان قائماً والحملات الإعلامية الصهيونية على أشدها ضد العرب، ومن المعروف أن المجر "هنغاريا" تضم حوالي نصف مليون يهودي يعملون في شتى المجالات.
وفي إحدى الجلسات مع صديقي استعرضنا العدوان الإسرائيلي على لبنان، ودور العرب في مواجهة "إسرائيل" وتشعب الحديث إلى أن روى لي الحادثة التالية: في إحدى زياراته للسفارة السورية، في الحي الثاني الراقي من بودابست،استقل سيارة تكسي، وعندما صعد كان صوت المذياع مرتفعاً والمذيع يتحدث عن أخبار الحرب في لبنان، وبالطبع كانت الأخبار تستدر تعاطف اليهود في العالم في حملة دعائية إعلامية مبرمجة، وبمجرد صعود صديقي إلى التكسي عرف أن السائق يهودي من خلال تفاعله مع الأخبار وشتائمه للعرب الذين يهددون "إسرائيل" بشكل دائم!، عندها غلى الدم في عروقه، لكنه تريث وفكّر إن واجه السائق مباشرة وأعلمه أنه عربي، فحكماً سيكون موقفه ضعيفاً، وبالتالي لن يتمكن من الدفاع عن العرب لأن شهادته مجروحة، ومباشرة أبدى إعجابه بما يكيله السائق من شتائم، لا بل تعاطف معه أيضا، فقال له السائق: "أكيد أنت يهودي"... فأجابه صديقي بالإيجاب، وزادت لعنات وشتائم السائق على العرب وتمنى على "اليهود" أن يجتاحوا البلدان العربية كلها وليس لبنان فقط!!
عندما اقترب السائق من الحي الذي تقع فيه السفارة السورية في بودابست، طلب صديقي المهندس من السائق التوقف على بُعد شارع واحد من مبنى السفارة حتى لا يعرف أين يتجه، ونظر إلى عداد التكسي الذي أشار إلى مبلغ 79 فورينت " العملة المجرية"، وقتها كانت الـ 100 فورينت تعادل 10 ليرات سورية، وببساطة إذا كان العداد سجل 79 فورينت فأن تعطي السائق 100 فورينت وتقول له شكراً، إلا أن صديقي، بعد أن أعطى السائق ورقة الـ100 فورينت وانتظر، ولم ينزل من التكسي، فقال له السائق: "كوسونوم سيبّان" أي شكراً جزيلاً.. فأجابه صديقي: شو شكراً؟.." طلاع ببقية الـ 100" فورينت.. استغرب السائق وانفعل لأن مبلغ الـ21 فورينت المتبقي لا أحد من الركاب يطالب به، حسب العرف السائد هناك، وهو من قبيل الإكرامية للسائق الذي يعمل لحساب شركة التكسي، وعندما لاحظ السائق إصرار صديقي على استعادة بقية المبلغ – وهذا حقه حسب القوانين المجرية –استلَّ ورقة من فئة الـ10 فورينت وناولها له عسى أن يقتنع بها، ويمضي ويكون هو قد حصّل مبلغ 11 فورينت إكرامية، وهنا أصرّ صديقي على استعادة البقية كاملة من دون نقصان، فانفعل السائق مجدداً وسحب ورقة أخرى من فئة الـ10 فورينت وناولها لصديقي غاضباً.. إلا أن ذلك الصديق قال للسائق: "بقي فورينت واحد ناولني إياه"!.. وهنا تفجّر الغيظ المكتوم من السائق، وبحث بين قطع "الفراطة" عن فورينت واحد، الذي لا يساوي أكثر من فرنك سوري، وناوله لصديقي وهو يلعن ويشتم، وبعد أن ترجل صديقي من التكسي صرخ السائق بأعلى صوته: " يهودي قذر..بخيل.. شو ما عملوا فيكن العرب قليل..خليهن يلعنوا أبوكن.. لأنكن بتستاهلوا.. هتلر كان على حق.. تفووه عليكن.. فعلاً يهود.." !!هنا انفرجت أسارير صديقي بعد غضب وأكمل الطريق إلى السفارة مشياً على الأقدام.
استخلصت من هذه الحادثة عدة عبر، أولها: الحلم والتروي والذكاء أمام الخصم وإدارة الصراع بعقلانية وليس بانفعال، وثانيتها: تحقيق الغاية بأقل خسائر ممكنة، وثالثتها: الحرب النفسية التي يجب أن يجيدها كل مثقف ويستخدمها كسلاح ضد عدوه بحيث يبرز نقائص هذا العدو ويجعله يلعن نفسه قبل أن يلعنه الآخرون!
أليس هذا ما يجب أن يجيده خطابنا الإعلامي العربي في إدارته للأزمات التي عشناها ونعيشها منذ ابتلينا بـ " إسرائيل " وتداعيات احتلالها لأراضينا؟!