البحث والغيب والغيبوبة.. بقلم: إسماعيل مروة

البحث والغيب والغيبوبة.. بقلم: إسماعيل مروة

تحليل وآراء

الأحد، ٢٤ مايو ٢٠١٥

لم نتعظ، لم نتعلم حتى من اللغة، نظن دوماً أن ما يكتب لا يعنينا بشيء، ونظن أن الدراسات التي تصدر عن مراكز الأبحاث تشبه مؤلفاتنا التي تكتب لملء أوقات الفراغ أو رفوف المكتبات، فمن فئران الأنابيب إلى مذكرات الساسة الغربيين الذين لا يمارسون بطولات جوفاء في سيرهم، ولا يعملون على تبرئة ذواتهم، مما جرى في عهودهم، ولا يلجؤون إلى تزييف ماضيهم وتاريخهم بعد أن أصبحوا مهمين..! لم نتعلم من أي شيء قرأناه، هذا إن قرأنا، سواء كان من نقرأ له صديقاً أو محايداً أو خصماً! وبعض هذه الكتب تتعرض للمنع في بلداننا لأن أصحابها معادون! وكان الأجدى أن تعقد حولها حلقات بحث مستفيضة تضم أصحاب الرأي والقرار والمسؤولين لمعرفة كل فاصلة جاءت فيها! حتى كتب العولمة التي أخذت صدى كبيراً، وألفت حولها دراسات عديدة ومؤلفات، كان الهم من دراستها تقزيم العولمة، وبيان شرورها، ولم يجرب واحد من الدارسين أن يقف عندها على أنها مرحلة تاريخية حتمية المرور، وعدما صدرت مقالات لها نتغتون وفوكوياما ومن ثم صدرت في كتب، انبرى أغلب الكتاب العرب والمسلمين للرد عليهما وتسفيههما بطرائق إنشائية غير علمية، وبعد شهور طويت صفحة النقاش، وتحول الكتابان إلى برنامج عمل من تلك الدول، وإلى صفحات النسيان عندنا! وعندما صدر كتاب الشرق الأوسط الجديد لبيريز تعاملنا معه على أنه رؤية حالمة، وعندما صدر كتاب مكان تحت الشمس لنتنياهو لم نعر اهتماماً للوسائل والسبل التي اتبعها وهو مندوب للكيان الصهيوني في الأمم المتحدة لاختراق العرب والجلوس معهم وعقد صداقات! وكنا نظنها مجاملات كما نفعل، ولم ندرك أنها تأسيس لمرحلة سيجني ثمارها عندما يصبح صاحب قرار في الكيان! وبقينا نفرح إن خسر الانتخابات، ونعطيه دفعاً لتنفيذ رؤيته إن نجح!
وعندما تحدثت رايس عن الفوضى الخلاقة، لم نتعامل مع كلام باحثة وأستاذة جامعية سياسية، وتلميذة لأولبرايت ووزيرة للخارجية جاءت من البحث لتنفيذ رؤية طرحتها أكاديمياً، واكتفينا بوصفها بالعجوز الشمطاء والسوداء والخرفانة، وصاحبة أمل إبليس بالجنة، ولو كلفنا أنفسنا قراءة كتاب اللوبي الصهيوني للكاتبين الأميركيين الذي يفضح مخططات أميركا منذ أربعينيات القرن العشرين لعرفنا أن مصطلح الفوضى الخلاقة ترجمة وتطور لرؤية المتشددين في السياسة الأميركية منذ أمد بعيد. وحين جاء الربيع العربي، أو ما سمي "الربيع العربي" وجد أرضاً خصبة، فانساق إليه كثيرون، وظن كثيرون أن الغرب يريد الخير ببلادنا، وظن آخرون أن أي عمل إيجابي سيزعزع من المكانة، فانهارت بلدان عربية عريقة كانت موالية للغرب، وطال الدمار البلاد الأخرى، والدمار ينتظر بقية الدول، وأزعم أن هذه الفوضى سميت خلاقة لأنها قادرة على الخلق، فهي تستنبت نفسها، وتتكاثر تكاثر الطحالب، وهي تغير وجهها كما تغير الأفعى جلدها، وتغير اسمها كما الآبق الذي يتنكر لبلده وأسرته وانتمائه!
هل خطر على بالنا أن نسأل عن سبب بروز النبت الشيطاني في بلداننا وتكاثره بسرعة هائلة؟ هل عرفنا لماذا يتحرك هذا النبت كالنار في الهشيم من دون أدنى مقاومة تذكر؟
أزعم أننا السبب، وأؤكد وجود مؤامرة، فما من حياة من دون مؤامرة فردية أو مجتمعية على الإطلاق، ولكن نجاح المؤامرة يتوقف على قراءتنا واستعداداتنا ومؤهلاتنا، فالجاهل والمتجاهل يفوز بجولة إن فاز، ولكن العالم العارف المالك زمام نفسه هو الذي يفوز باستمرار، وإن تلكأ فإنه يفعل لتلقي الصفعة واستجرار أبحاثه وآرائه، والعودة مرة ثانية إلى ما كان عليه، والمحاولة مرة ثانية..!
أزعم أن العلة فينا، وسنبقى في دوامة لا تنتهي، إلا إذا كنا باحثين وقارئين، وإلا إذا تحول مجتمعنا إلى مجتمع معرفي علمي يقوم على البحث لا الغيب والحجب، فهل يمكن لأحد أن يثبت تدخل العيب لنجدة الكسالى عبر قرون طويلة؟ لا أظن إلا أن يتم رجم السائل.. أما ديمومة التاريخ والتعاقب فهو سيرورة، وليس من نجدة الغيب للكسالى.. لنا!!