ثمن العطش بقلم: عثمان النمر

ثمن العطش بقلم: عثمان النمر

تحليل وآراء

الأحد، ٢٤ مايو ٢٠١٥

جدد أحدث تقرير للأمم المتحدة المخاوف من تفاقم أزمة المياه في العالم، وتزايد احتمالات نشوب حروب في المستقبل بسبب المياه. فالطلب العالمي على المياه سيزيد بنسبة ٥٥٪ بحلول ٢٠٥٠، مع تزايد عدد السكان وزيادة الطلب على إنتاج المحاصيل، والتنازع على الأنهار بين دول المنبع والمصب، وتزايد استغلال المياه الجوفية لحد النضوب، مع اطراد التغير المناخي وما يسببه من جفاف.
هناك أكثر من ٢٥٠ نظاماً نهرياً في العالم، ويعيش ٩٠٪ من سكانه في بلاد تتشارك الأنهار وأحواض البحيرات و١٤٨ دولة تتشارك على الأقل نهراً عابراً للحدود التي تسودها صراعات، رغم أن قواعد هلسنكي تمثل دليلاً هادياً لتفسير حقوق المياه بين الدول.
حروب المياه ليست مجرد نبوءة، فقد كادت دولتان هما المجر (هنغاريا) وتشيكوسلوفاكيا السابقة، إن تدخلا في مواجهة عسكرية في ١٩٩٢ بسبب التنازع على نهر الدانوب، والنزاع قائم حول المياه بين الفلسطينيين والأردن ولبنان وسوريا من جهة و«إسرائيل» من جهة أخرى، فضلاً عن التوترات القائمة منذ زمن بين تركيا من جهة وسوريا والعراق من جهة أخرى على خلفية السدود التركية على نهري دجلة والفرات. والصراع على مياه النيل بين السودان ومصر، ودول الحوض العشر الأخرى خاصة إثيوبيا، لا يزال يتبع المسالك القانونية، لكنه مفتوح على كل الاحتمالات.
تقرير الأمم المتحدة حذر من أن العالم يمكن أن يعاني نقصاً بنسبة ٤٠٪ في المياه خلال الأعوام ال١٥ المقبلة، ما قد يؤدي إلى فشل إنتاج المحاصيل، وانهيار الأنظمة البيئية، وتوقف الصناعة وانتشار الأمراض والأوبئة وتزايد الفقر، واحتمالات نشوب نزاعات من أجل الماء.
تطابق هذه التحذيرات ما توصلت إليه كارين بايبر الاستاذة في جامعة ميسوري الأمريكية، التي درست طوال سبع سنوات نزاعات المياه في قارات العالم الست، وأصدرت هذا العام كتاباً بنتائج دراستها حمل عنوان: «ثمن العطش: ندرة المياه والفوضى القادمة»، رسمت فيه صورة مخيفة لندرة المياه، وخصخصتها والحروب التي قد تنشأ عنها، وتسببها في تصاعد التطرف.
سيناريو العاصمة اليمنية صنعاء يقدم لمحة لما سيكون عليه الحال مع شح المياه. فالخبراء الأمميون واليمنيون يعتقدون أنه خلال ٤ سنوات سيضطر ٢،٦ مليون نسمة من سكان صنعاء لترك المدينة بسبب ندرة المياه، مع حدوث ٤ آلاف وفاة سنوياً بسبب أمراض متصلة بالمياه الملوثة.
سيناريو دجلة والفرات نموذج آخر للسدود التي تستخدم للضغط السياسي، أو الاستغلال أو الابتزاز، فمن يسيطر على السد يتحكم في مستخدمي النهر. تركيا منذ سنوات تشيد السدود في دجلة والفرات وتتحكم في المياه المتدفقة إلى سوريا والعراق، فضلاً عن أنها تطور تنمية زراعية في الأراضي المتاخمة للحدود مع العراق وسوريا، وتجلب مزارعين أتراك لتوطينهم لإضعاف وطرد الأكراد. في الوقت نفسه المنطقة مسرح ساخن لاضطراب اجتماعي وسياسي قد يتطور إلى الأسوأ في ظل النزاعات العرقية والطائفية والإقليمية.
الماء هو سر الحياة، ومنه خلق الله كل شيء حي، وبه تستمر الحياة. قد تستغل بعض الدول الأنهار لأغراض سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، بينما المنطق السليم يفرض أن تكون الأنهار المشتركة حافزاً للحكومات على انتهاز الفرصة التي تقدمها المياه الجارية كمصدر للتعاون والشراكة، لا النزاع أو الصراع.