بين «تدمر» و«القطيف»: هل تحقق داعش النبوءة المقدسة لـ«إسرائيل»؟

بين «تدمر» و«القطيف»: هل تحقق داعش النبوءة المقدسة لـ«إسرائيل»؟

تحليل وآراء

السبت، ٢٣ مايو ٢٠١٥

سقطت تدمر بيد «العثمانيين الجدد»، اكتفى بيان مجلس الأمن بالأمس بالإعراب عن «قلقه» على وضع السكان، أما الإعلام الفرنسي فكان لافتاً أنه أعطى أهمية للحدث، ربما لأن القيادة الفرنسية تدرك أن جزءاً لا يُستهان به من الفرنسيين يعرف عن المدينة الكثير، ولا ينفع مع ذلك إجراء الرتوش، فلا كانوا قادرين على إيراد عبارة (نظام الأسد يخسر المزيد من المناطق)، ولا الترويج لعبارة (المعارضة السورية تكسب المزيد من المناطق)، حتى فرانسوا هولاند أدلى بدلوه بالدعوة لحماية المدينة!
سقطت تدمر بيد «العثمانيين الجدد»، يكاد القلم ينزف دماً على المدينة التي ربما يستطيع أي سوري أن يضيفها لأوراق سجله المدني بأنها مكانٌ لولادته. لكن بالمطلق وبواقعيةٍ علينا أن نعتاد عليها، فإن هذه البكائيات والرثائيات لا تغير في الأمر شيئاً، لأننا كما قلنا سابقاً إن البكاء وسط المعارك ضعفٌ، والحداد (على أي خسارة) قبل النصر هو انهزامٌ، وهذا الأمر أثبتته الوقائع.
ما إن خسرنا أعمدة تدمر التي كتبت صفحات تاريخنا، حتى خرجت لنا أعمدةٌ جديدة ستكتب لنا صفحات مستقبلنا الذي سيتحول يوماً إلى تاريخٍ، فالشعب الذي يكون محور التاريخ وحده القادر على إعادة كتابته.
خرج أبطال مشفى جسر الشغور ومن جباههم ينعكس شعاع النور الذي سيضيء مستقبل سورية عاجلاً أم آجلاً. أرادوا لهم مصيرًا كمصير زنوبيا، لكنهم أبوا إلا أن يكونوا أعمدة من تلك الشواهد المرصعة بتيجان الحضارة؛ أعمدة سارَت، عبرت، وصلت فانفجرت الفرحة.
ليس صحيحاً أن معارك الوطنية بحاجة دائمة لإطلالة القائد، أو للخطب الرنانة، فالقائد الفعلي ليس من يجيد الكلام، بل من يجيد الفعل وإن وعد وفى. لسنا بحاجة لمن يشرح لنا أسرار المعركة ومعاني تحرير الأبطال، وفِّروا جهودكم الجبارة، واقرؤوا جيداً ما قاله القائد للصامدين، لتفهموا ماذا يعني أن تتحول مدننا كلها برمزية «تدمر»، وأن تاريخنا لم تكتبه زنوبيا فحسب، لكن يكتبه كل من يعرف أن سورية الوطن دائماً على حق.
في كل المؤامرات التي تُخاض ضد الشعوب تبقى الضحية الأوضح هي الحقيقة، تحديداً لمن لا يزال ينظر لداعش أنه مجرد ثلة من قطاع الطرق، والحقيقة ليست كذلك، إنه جيش السلطنة العثمانية، والتجربة العملية أثبتت أن الحقيقة قد تكون أعقد من ذلك.
تمكن التنظيم حسب ما يُخطط له في الخفاء من التقدم في الأنبار وتدمر بآن واحدٍ، لأن السيطرة عليهما ستعني فتح الطريق نحو ما هو أعقد باتجاه الغرب السوري، وباتجاه مملكة «آل سعود» ومملكة شرقي نهر الأردن، فهل حقاً أن الولايات المتحدة «أخطأت» كما تقول بإستراتيجيتها، أم إن التمدد الداعشي مرتبطٌ بسبب وجوده أساساً؟
ضرب الإرهاب مسجداً في القطيف، بالتأكيد إن أدبياتنا تحتم علينا إدانة الإرهاب أياً كان، لكن وبذات الوقت علينا أن نفهم أن الأمور لا تُحل بالإدانة أو الاستنكار، وإلا لكنا حررنا فلسطين منذ عقود، بمعنى أن الهدف من هذا التفجير وما قد يتبعه من تفجيرات ليس إثارة الفتن المذهبية فحسب، لكن ما هو أهم؛ أي الفتنة ببن «آل سعود» أنفسهم.
الاستمرار في مثل هذه العمليات سيعني توجيه صفعة قوية يُخطط لها ولي ولي العهد «محمد بن سلمان» للرجل الأول في المملكة الممسك بزمام الأمور الأمنية ولي العهد «محمد بن نايف». إن التأكيد على أن داعش بات يتغلغل في المملكة هو سبب طبيعي لدق ناقوس الإنذار حيال السياسات الأمنية ومن يتولاها، بالتالي التجهيز لفرضية عزله وتعيين «محمد بن سلمان» ولياً للعهد لتكريس انقلابه على الأعراف المتبعة في المملكة. الأمر الذي قد يُعبد الطريق نحو المزيد من التصدعات ربما حتى الولايات المتحدة لا تبدو راضية عنها، لأنها باتت تدرك عواقبها، فمن المستفيد؟
علمنا التاريخ أن ملك شرقي نهر الأردن «الحسين» كان يلجأ للكيان الصهيوني كلما «حرد» من العرب، يبدو أن «آل سعود» لم يعد أمامهم إلا اللجوء لذات الخيار عندما يحردون من بعضهم، تحديداً بعد تأكيد لمعلوماتٍ تحدثت عن لقاء عُقد في عمان بين مسؤولين «إسرائيليين»، ومسؤولين «سعوديين»، تضمنه عرض لتركيب نظام القبة الحديدية (المتهالك والذي أثبت إخفاقه في الحرب الأخيرة على غزة) في نجران، بهدف الدفاع حتى آخر لحظة عن نجاحات مزعومة لـ«عاصفة الحزم».
لم تستطع تلك الزعامات الحالية التي ورثت عروشها أن تخرح من إرث خيانتها، كل هذا كان لابدّ أن يرتبط بعملية غسل دماغ للعقول العربية ودفن الوعي العربي إلا ما رحم ربي. لم يكن مفاجئاً استقبال المجرم شمعون بيريز في عمان خلال مؤتمر «ديفوس»، ولم تكن مفاجئة تلك الصورة التي يظهر فيها شخص يرتدي الزي التقليدي وهو يقدم بابتسامة إعجاب «ساحرة» فنجان قهوة للمجرم بيريز، بل اللافت أن جزءاً لا يُستهان به من الرأي العام الأردني اعتبر أن الصورة عادية، لأن الأردن معروفٌ بكرمه وإكرام الضيف واجب، حتى لو كان هذا الضيف مجرماً، هؤلاء ذاتهم مقتنعون كما يتم إفهامهم بأن (حزب اللـه عميلٌ لإسرائيل) والنظام السوري (حام لحدودها)!! إلى أي دركٍ وصلنا؟
عندما نجري تقاطعات لهذه العقلية التي باتت تحكم شعوب المنطقة (قبل حكامها)، سنكتشف أنها عقلية الهروب للأمام، بُنيت أساساً على فكرة أننا لسنا قادرين على تحمل الخراب أو الدمار الذي قد تتسببه أي مواجهةٍ مع الكيان الصهيوني. واليوم كُثر منهم بات مقتنعاً أن النصرة وداعش ما هي إلا أدوات لمشروعٍ ما، لكنه لا يريد بأي شكل من الأشكال أن يكون إحدى ضحاياها القادمة إن أراد مواجهتها. فهل يعني هذا الأمر أنه بالقدر الذي يبدو فيه الجميع يبحثون عن حلول، هم عاجزون عن أي حل لأن الأمور باتت خارج سيطرة الجميع؟
لا يمكن أن نجيب على هذا السؤال بمعزلٍ عن خطط الولايات المتحدة لبرنامج تدريب ما تسميهم «المعارضة المعتدلة»، في كل من الأردن وتركيا، وهم في الحقيقة ليسوا أكثر من مقاتلي الجنسيات المختلفة الذين يتم زجهم في هذه المعارك. بشكل عام تبدو الحدود مع الأردن أمراً مقدوراً عليه مستقبلاً أيّاً كان حجم الإرهاب، لكن تبقى المشكلة الأهم وهي الحدود الشمالية. بمعنى آخر علينا أن نعترف أن كلَّ طموحات لجم الجنون الأردوغاني مرتبطة أساساً بنتيجة الانتخابات في تركيا، لأن ما من أحد قادرٌ بعد اليوم أن يوقف هذا الجنون ولا حتى الولايات المتحدة نفسها. هي فرصةٌ لن يسمح له التاريخ بمثلها لاستعادة ما يظنه إرث الأجداد، فمن يفكر أنه سُيذبح سياسياً في الانتخابات القادمة، لن يكترث لما سيعانيه من ضغوطات، فإما أن يسقط في الانتخابات القادمة -كمشروع سياسي متطرف يسعى لتعديل النظام السياسي في تركيا- وعندها يقف الجميع بما فيهم المعارضة التركية أمام مسؤولياتهم، أو أن ينتصر وعندها سنكتشف أن الهدف الأساس من إنشاء داعش والذي أغفله الجميع، هو استعجال الكيان الصهيوني لحدوث نبوءته «الدينية المقدسة». لكن عليه أن يتذكر بذات الوقت أنه وبالإضافة لنبوءة زوال «إسرائيل» بعد خسارتها لأول حربٍ، فإن هناك نبوءة مضادة تقول: إن «دولة الإجرام» ستعلو قبل ذلك في الأرض مرتين، وهل من علوٍ أوضح من قيام جورج بوش يوماً بجمع الأوراق التي كان يحملها المجرم شارون عند إلقائه كلمةً بعد تناثرها في حديقة البيت الأبيض، لينتهي بهم العلو باستقبالِ (الملك الهاشمي) -كما يظن نفسه- لـ«بيريز» استقبالَ الأبطال.