زنوبيا.. شعر لا يشيب

زنوبيا.. شعر لا يشيب

تحليل وآراء

السبت، ٢٣ مايو ٢٠١٥

إسماعيل مروة:

لماذا تؤلمنا صراحة القول ولا يؤلمنا الفعل القبيح الذي نقوم به؟
يتألم المتلقي إذا حدثته عن انتهاك أرض ووطن وأم! يغصّ ويصيبه القهر إن حدثته عن اغتصاب، ولو كان معنوياً! ولكن لا يألم للفعل ذاته! يألم إن قلت له: إنك مغتصب، أو مشارك فيه، أو مسهّل للعملية البشعة، ينتفض ليجبهك: كلهم إلا أنا!
وماذا أفعل يتابع؟ وهل بمقدوري أن ألغي القدر؟ وهل أتمكن من تغيير مسار التاريخ؟ أنا من الضعف بمكان! أنا لا حيلة لي ولا قوة! لست صاحب قرار في ممارسة الفعل أو منعه! يستدر أن تعطيه البراءة، وأنت لا تدينه مطلقاً! أنت تقول: لقد شاركنا جميعاً في عملية الانتهاك، وما من أحد يملك صك البراءة لما حدث ويحدث وسيحدث!
هل يكفي أن نركع ونسجد ونصلي ونكرّز من أجل الوطن وحمايته؟
هل يتمكن الدعاء من إلغاء فعل الاغتصاب الشنيع؟
ولكن حتى في الدعاء، هذا يدعو، وذاك يدعو، وآخر يدعو! وكل واحد منهم يرى أنه على صواب، وأنه بريء مما يحدث!
خريطة ممتدة من البحر إلى الصحراء، من الرمش إلى الرمش، فيها البهاء والجمال، فيها الخضرة الممتعة، فيها بحر الخير، فيها كل ما تحلو الحياة به، فيها الإنسان الجميل الممتع الذي لا يعرف حداً لحياة وعذوبة وألوهة، فيها كل ما يمكن أن يكون فيها وليس في سواها!
وعند كل صباح يلغي أحدهم الجبل والصبية التي ترقب القمة منتظرة أن يأتي إليها عاشقها ذات لحظة.. ويرشف الآخر البحر، ويفجر أدمغة سمكاتة التي تحث الخطا إلى الشط، ويقتل حوريات البحر الملتحفات العشق والعذوبة، وهنّ في طريقهن إلى موعد عشق صوفي لا مثيل له، فيسكنهن الخوف، وتضيع التفاصيل التي يتشهاها العاشق في تلافيف حقد وشك وخوف وعند كل صباح يهجم أحدهم على زنوبيا ليقتل ما تبقى من حكايتها، ينتقم منها ومن ذكراها لأنها قاومت الرومان، ويتحسر أكثر لأنها قتلت نفسها قبل أن يتمكن الرومان من اغتصابها واغتصاب أرض تدمر الطاهرة التي غابت زنوبيا وهي تؤثر الموت على تدنيسها!!
عند كل صباح..
وعند كل صباح..!!
يستفيق الحقد، يستفيق الحسد على شام ومواطن حسنها، وتبقى زنوبيا سيدة الإباء تنثر خواتم شعرها، تمسد بأصابعها كل عمود من أعمدة المدينة الخالدة التي تشهد براعتها وحصانتها.. لم تكترث لأنطونيو!
لم تكن كليوباترا..! كانت زنوبيا التي لم يمل قلبها إلا إلى معبد تدمر السوري الشآمي.. على يقين زنوبيا بأنها لم تمس، ولن يمسسها بشر بعد أن غادرت المكان محروساً بتعاويذها التي قد لا يفهمها الأحفاد، لكنه لابد أن يأتي ذلك اليوم الذي يخرج حفيد من حفدتها ليرد خصلات شعرها مهما كان لونها وشكلها وطولها..
زنوبيا لا تشيخ، شعرها لا يشيب ولا يتقصف
زنوبيا.. شام
ألق البقاء.