السنة الجديدة ستكون ممتازة.. بقلم: ماجدة البدر

السنة الجديدة ستكون ممتازة.. بقلم: ماجدة البدر

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٣١ مارس ٢٠١٥

مع شروق الشمس، نستقبل يوماً جديداً، بما فيه من أفراح وأتراح، نتجه إلى أعمالنا بكل نشاط، وفي نهاية اليوم نعود إلى منازلنا، وقد أخذ منا التعب والإرهاق كل مأخذ، هو يوم يشبه اليوم الذي يليه واليوم الذي سبقه، نبحث عن المال والسعادة والنجاح... وتنتابنا مجموعة من التساؤلات.. ما سبب وجودنا؟!.. هل نحن نملك جميع مقومات السعادة؟!.. هل نشعر بالسعادة؟! وما الذي سيحدث في النهاية؟!... مجموعة من التساؤلات انتابت الكاتب البرازيلي الكبير باولو كويللو، فتحولت بين يديه إلى رواية رائعة وهي آخر إصدارته تحمل عنوان «الزانية»...
يبدأ الكاتب روايته بالتعريف ببطلتها (ليندا) وهي الشخصية الرئيسة في الرواية التي سيتناولها بالبحث والدراسة عبر مسيرة حياتها سنة كاملة.. هي امرأة في الثلاثين من عمرها، تزوجت ثرياً، وهو صاحب مؤسسة استثمارية ضخمة، تدرُّ عليه الأرباح الخيالية... أنجبت منه طفلين في غاية الجمال والروعة والذكاء. تعمل ليندا في صحيفة مرموقة في جنيف، وتقضي عطلة نهاية السنة مع أفراد عائلتها في جزيرة نائية ذات شطآن ساحرة، وتقيم معها مربية فلبينية تعتني بالأولاد وقت ذهابها إلى العمل... وهي كما تصف نفسها: [أرتدي أفضل ما يمكن شراؤه من ملابس، بفضل سخاء زوجي اللا محدود، وأثير رغبة الرجال، وحسد النساء الأخريات....]. وعلى الرغم من ذلك تشعر عندما تستقبل الصباح أن يومها سيكون كارثياً، فهي تملك أكثر مما تستحق، فتسأل نفسها: [أهذه هي الحياة؟!].. تلك التساؤلات والأفكار وعامل الزمن يحول جميع مقومات السعادة التي تمتلكها ليندا إلى تعاسة وحزن شديدين فعامل الزمن سيغير كل ذلك.. وينتابها الخوف من المستقبل المجهول... تلتقي في إحدى أمسياتها الصحفية بـصديق قديم أحبته أيام دراستها الثانوية، وقد حقق نجاحاً باهراً في حزبه، وصار سياسياً مرموقاً في المجتمع، فيستيقظ الحب القديم في قلبها، ويسيطر على مشاعرها وحياتها، فتغرق معه في اللذة المحرمة... في البداية تشعر ليندا بالألم حيال ذلك، فزوجها الرائع المخلص، وطفلاها الملائكيان، لا يستحقون منها ذلك، فهي تسير في طريق تعرف نهايته.. ولا تستطيع منع نفسها من الانغماس في اللذة المحرمة. تقول في نجواها مع نفسها: [لم أعد أرى أمامي حبيباً سابقاً من أيام مراهقتي، أرى هاوية أمشي نحوها بجذل، هاوية لا أرغب في الهروب منها]...
تلجأ إلى الطب النفسي، لتجد حلاً لمشكلتها، وتكون النتيجة سلبية، فبعد أن تزور ثلاثة من الأطباء، تعجز أن تفصح لهم عما يدور في قلبها، وتجد في حكمة الشامان الكوبي الراحة والأمان، وتبوح له بأسرار قلبها، حيث تجد في الحديث معه راحة افتقدتها مع الأطباء الثلاثة، حتى إنها تجهش في البكاء، تعبر عن ذلك: [لكنني أعجز عن نسيانه، يكرر ذهني لحظة القبلة، ويكررها، وأدرك أن لا وعي يحول مشكلة خيالية إلى مشكلة حقيقية... أنا مجنونة، علي أن أركض مباشرة إلى أقرب مستشفى للأمراض العقلية لأنَّ أفكاري من النوع الذي لا ينبغي له أن يخطر ببال أي شخص، لكنني أواظب على مثل هذا التفكير]...تستطيع ليندا التعبير عن مشاعرها للشامان الكوبي بكل صراحة، فهو شعور يخلو من المتعة، وقد يترك ندبات عميقة ودائمة، لكنه مشوق خصوصاً لإنسان تخشى منذ سنوات ركوب المخاطر. فتجد في كلام الشامان الكوبي ما يبعث فيها الأمل والاستقرار، وتشعر بالمتعة وهي تقضي معظم أوقاتها مع عشيقها جاكوب، تلتقي ماريان زوجة عشيقها في إحدى الحفلات، فتصر على دعوتهم للعشاء، على الرغم من إصرار ليندا على الرفض، فأولادها يقيمون مع جليسة الأطفال، وهذه الدعوة ستؤخر عودتهم للمنزل، ولكنها ترضخ أمام إصرار ماريان، وتقوم ماريان بخبث بطرح سؤال وتطلب من زوج ليندا الإجابة، وهو: هل يشعر بالغيرة ؟!.. وكيف يتصرف حيال ذلك؟!... فيجيبها بأن هذا الشعور مدمر وتافه، لذلك يسعى لحماية أسرته من أي مشاعر غادرة ومدمرة، هذا السؤال يجعل ليندا تجيب بانفعال شديد، فتقع في الفخ الذي نصبته لها ماريان بكل سهولة، ولكن ما يفاجئ ليندا أن زوجها على علم مسبق بخيانتها، وهو يكبح هذا الشعور حفاظاً على أسرته.. عند ذلك يصحو الضمير الذي يؤنبها ويدعوها للتوقف عن هذا الأمر، فزوجها مستعدٌّ أن يغفر لها أي ذنب، فحبه لها يفوق التصور، فهي بركة في حياته، وقد لا يكون الزوج الأفضل لأنه يطمس مشاعره وهي تحتاج منه الاهتمام الأكبر والشعور بحبه... فتقرر العودة لحياتها الرائعة، التي كانت ستدمرها بغبائها، وطي صفحة جاكوب، ونسيانها للأبد، يظل الألم يرافقها حتى تطأ قدماها الأرض بعد أن قررت خوض تجربة الهبوط بالمظلة من أعالي الجبل، لتسقط في أحضان الطبيعة البكر الرائعة، وسرعان ما تتدفق الدموع من مقلتيها لتغسل روحها من الألم والخطيئة...
وتقرّر؛.. حان وقت العودة نهائياً إلى العالم الذي تحبه، فتحتضن زوجها وطفليها ولكن هذه المرة بشعور مختلف.... فالحب الحقيقي وحده قادر على تخطي أي صعوبة، أمامه ينجلي الخوف، وتضمحل الغيرة والضجر والرتابة، وكل ما يبقى هو النور.. فالحياة الأبدية والحب متلازمان..
والسنة الجديدة... ستكون ممتازة...
وبهذه الجملة الرائعة ينهي باولو كويللو روايته الرائعة (الزانية).