الثقافة العربية جذوراً وأغصاناً (4-4)..الخطاب الثقافي لدى سركيس وطعمة.. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

الثقافة العربية جذوراً وأغصاناً (4-4)..الخطاب الثقافي لدى سركيس وطعمة.. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

تحليل وآراء

الخميس، ٥ مارس ٢٠١٥

الأساطير عند الباحث إحسان سركيس خطاب ثقافي وإن كانت تحمل شكل التزامن الذي يجعلها تبدو للأذهان وكأنها صورة الأزلية، فقد أصبحت أيضاً تقاليد من أعمال عقلية. إنها تأويل وإعادة تفسير للجذور، يُضفي عليها كل جيل فهماً جديداً، يُمكن أن يأخذ طابعاً تاريخياً ويستثير حركة نمو موحدة الدلالة يمتنع إسقاطها في منظومة؛ فالتقليد الأسطوري يُصلح نفسه عن طريق الإضافات، وهذه الإضافات هي التي تُقيم بذاتها جدلاً أسطورياً.
الأسطورة بهذا المعنى وإعادة صياغتها هما المصدر الذي يستمد منه الشعب هويته ووحدته، ذلك أنهما تجعلان من الحوادث المبعثرة التي لا تكون قد وقعت حقاً، كلاً ذا دلالة بإضفاء المعنى على الماضي فالهوية- هوية شعب – لا تنفصل عن بحثه المستمر عن معنى لوجوده التاريخي، من خلال التناقض والإيمان هو الذي يربط المعنى بحيث يرتبط مصير الإنسان بإرادة الآلهة. إنها الضرورة التي تضمن لأبناء المجتمع بقاء تنظيمهم المشترك.
فالرموز الكبرى للأساطير- كما رآها سركيس- في الحضارتين: المصرية القديمة والبابلية/ الآشورية، وكذلك اليونانية القديمة، لا تستنفد معانيها في ترتيبات مماثلة للترتيبات الاجتماعية لما لديها من احتياطي جاهز لكي يستعمل من جديد في بُنى أُخر، والأدب في تلك الأعصر- حسب سركيس- هو رفيق درب الفكر، وربما كان مجاله ومجتلاه، وقد كانت الصياغة الأدبية وسيلة المكتوب منه وإطاره.
الباحث نبيل طعمة أكثر تطرفاً في موقفه من الخطاب الثقافي عربياً لأنه- أعني طعمة- ينطلق بوصفه ابن اليوم وليس ابن الأمس، فالأمس ولى مع الذات التي رافقته، والتوجه إلى الذات وإلى معرفة تشخيص الذات العربية تُعد من أبرز الاهتمامات الفكرية للدكتور طعمة، وهي واحدة من الخطوات المهمة عنده للإسهام في الخروج من هذا المأزق العربي أو ذاك على تعددها وتنوعها وحيْفها المتلاحق المتتابع المتدافع في الظلام من الليل والظلمة من النهار! ولهذا يبدو الوعي العربي عند طعمة منحصراً في الأعماق من مفردات الوعي الديني/ الروحي- بلا روح- والعقلاني الذي بلا عقل! فالتعلق بالماضي- حسب طعمة- عملية خطيرة، والنخب العربية عدّت نفسها حالة تعال على مجتمعاتها، ثم تقوقعت على نفسها.
كانت هذه النخب قد فصَلت نفسها عن شعوبها- وأكاد أقول تأكيداً لقول الباحث طعمة- فضّلت نفسها فانفصلت، الدكتور يتابع بأريحية بالرغم من حاله الانفعالية فيرى أن تلك النخب اعتبرت وجودها في الأعالي هو المكان المختار من قبلها، وبحكم أنها تقدمت بأفكار جلّها كانت من الغرب فلم تستطع أن تعطي أفكاراً خلاقة تنبت حياة جديدة ذات أفكار خلاقة من دون الاستناد إلى مفاهيم الآخر. فكانت أدنى من أن تقدم عطاء خلاقاً ذا خصوصية عربية خالصة، فالإبداع العربي ما يزال في درجاته الدنيا، لأن النخب المتقوقعة في بروجها لم تفتح آفاقاً للأجيال الآتية، ولم تؤمن بأن الأجيال المنتظرة يمكن أن تكون خلاقة، ولم تع تلك النخب كذلك أن التقوقع وتورم الأنا لديها قد أسهما، بل تسببا في استشراس الأزمات العربية، ويرى د. طعمة أن لا صحة لادعاء تلك النخب من حيث إنهاء قطرة من بحر أن مصير القطرة هو العودة إلى البحر.
الخطاب الثقافي في عرف طعمة لابد من العمل على استقلاليته عن الخطابات الثقافية الغازية. ولكي تتم لهذا الخطاب استقلاليته فلابد من اقتلاع الفساد المتأصل في الشرايين ضمن فلسفة تعميم الشمولية الثقافية ومركزيتها بيد الإدارات المطحلبة بيروقراطياً.