أيها القلب.. لست دريئة لكي تتجه إليك كل هذه الطلقات!.. بقلم: د.بسام الخالد

أيها القلب.. لست دريئة لكي تتجه إليك كل هذه الطلقات!.. بقلم: د.بسام الخالد

تحليل وآراء

الاثنين، ١٥ ديسمبر ٢٠١٤

Bassamk3@gmail.com
ككل السوريين الذين ينتظرون أولادهم حتى يعودوا سالمين إلى بيوتهم.. ككل السوريين الذين ينتظرون أحبتهم يومياً على الشرفات ومفارق الطرق ومحطات الحافلات.. ككل السوريين الذين ذاقوا ويلات الحرب على امتداد التاريخ والجغرافيا السورية وفقدوا أجيالاً من شباب كانوا مشاريع مستقبلية لتطوير وطن.. ككل هؤلاء.. كان "أحمد" ينتظر عودة ابنه كل يوم من الجامعة أو من زيارة لصديق، لكن هذه المرة، لم ينتظره، لأنّه كان معه جثة هامدة!
خاطبه قائلاً: "لأول مرّة سأنتظرك وأنت معي.. لن أتّصل بك لكي أطمئن عليك.. ولن أنتظر جوابك: (لِمَ القلق.. كلها قذيفة هاون تصيبنا شظاياها فنموت..)؟!
أنا الآن مطمئن جداً..لا مكان أكثر أمناً لك من قلبي.. قلبي, الممتد الشاسع، المحب، الحاقد، الطفل، الشيخ، المفتوح على المدى، المشرّع على بوابات الأمل.
قلبي, الجندي القابض على سلاحه دوماً.. قلبي المحشو دائماً بالأمل.. لا مكان أكثر راحة لك من ذاكرتي.. ذاكرتي المحشوة بالزرع والطيور.. بالسماء الزرقاء والجوارب الممزقة.. بأوكار الطيور والدروب الحافية.. بالقصص الجميلة والحكايا.
ذاكرتي المحشوة بالحروب والمجازر.. بأحذية الإمبرياليين وهي تدهس الشعوب
بالشعوب التي تعادي نفسها وتطلق النار على أدمغتها.. الشعوب التي لا تملك ذاكرة.. لأول مرّة سأنتظرك وأنت معي"!
شظايا القذيفة اخترقت القلب الفتي وتناثر الدم على الجسد الغض وانحنى الرأس إلى الأسفل ليكتشف مكان الإصابة.. انطفأ الضوء في العينين المتوهجتين معلناً نهاية المشهد.
 مرة أخرى يعيد الأب رسم لوحة من ذكريات ويخاطب الشاب العشريني: "منذ أول جريمة في الأرض وحتى النظام العالمي الجديد وأنا أنتظرك.. وسأواصل انتظاري.. وعندما يستبد بي الشوق سأفتح دماغي وأراك.. سأفتح قلبي وأراك.. سأراك مستلقياً تقرأ كتابك.. سأراك تمسك الغيتار وتعزف.. سأصغي للألحان.. وكلما تعطّل الحاسوب سأدعوك لإصلاحه.. وسأقول لك: جيلنا لم يتأقلم مع التكنولوجيا!
سأرى ابتسامتك.. ابتسامتي.. سأجلسك من جديد على كرسي الحلاّق.. ويسألك كيف تريد القَصة فتقول: "متل بابا".. وسأقول لك مرّة أخرى: هذا شَعرك وليس شَعري.. كن أنت وعِش ذاتك..!
 سنلعب سوية تلك اللعبة وأقول لك أغمض عينيك.. ثم أسألك: من أنت؟ فتقول: علي الإبراهيم..
 - وغير هذا؟
- طالب وأحب الحياة..!
لا أذكر أنني حدثتك يوماً عن الشظايا التي تثقب الصدر لتستقر في القلب.. قلت لك القلب للقبلة لا للقنبلة.. القلب للزهرة لا للسكّين"!
هي قصة من قصص الموت المجاني الذي نعيشه في هذا الوطن.. قصة موت الأبرياء، موالين ومعارضين، قصة الحرب التي استثمروها بالقتل ليقضوا على ثقافة الحياة.
يقلّب الوالد الصور, صورة صورة.. ومن جديد يخاطب ابنه قائلاً: " أراك تسير بين تلك الأزقة.. أعرفها.. سأذهب إليها وأصغي إلى صوتك المنتشر بين حناياها.. صوتك المختلط مع أصوات كل السوريين الذين مرّوا فيها وأحبوها.. سأسير فيها وأنت معي.. في قلبي وذاكرتي.. لِمَ لم تخبرني بأنك كنت تذهب مع أصدقائك إلى هناك.. هل كنت تخاف من خوفي عليك.. بعد أن انتشر الجراد ليقتل كل شيء؟
لن أحاسبك, فقط أتساءل لِم لم تدعني للتسكّع معكم.. فأنا أيضاً أحن للتسكّع في تلك الأزقة الضيّقة.. يدي بيدك.. تقول لي: بابا انتهى "عرنوس الذرة".. احتفظ به يا ولديّ، بعد قليل سنضعه في الحاوية.. كنا نريد سورية نظيفة كعروس.. صافية كسماء.. رقيقة كنبع".
الصديق الإعلامي أحمد الإبراهيم.. أشعر بوجعك على فقدان ولدك، وأشعر بألم كل السوريين الذين فقدوا أحبتهم.. وعزاؤنا الوحيد أننا لم نفقد الأمل الكامن في عمق شعورنا أننا سنعيد نسج المحبة من جديد لنبني نفوسنا ونعيد إلى أجيالنا حقها في الحياة.. وسأردد معك ما ختمت به مرثيتك لنجلك: "آهٍ.. كم من الألم تحتمل أيها القلب.. من قال إنّك دريئة لكي تتجه إليك كل هذه الطلقات.."؟!