المدرسة أيام زمان.. بقلم: سمير عربش

المدرسة أيام زمان.. بقلم: سمير عربش

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٨ نوفمبر ٢٠١٤

لم ندرك قيمة معلمنا في مرحلتي الابتدائي والإعدادي، إلا بعد أنْ غادرنا المدرسة، حاملين الثانوية العامة.
بعضنا تابع تحصيله العلمي، والبعض الآخر انصرف للعمل مبكراً، كان معلمونا، نخبة تسهر علينا علماً وتربية، وعلى الرغم من قساوة كانت تخيفنا أحياناً، على قاعدة سنّها أهلونا- اللحم لكم والعظم لنا- فقد غرسوا فينا مبادئ وقيماً، مازالت تلازمنا.
الشيخ بشير – الأزهري- كان من الضالعين في تدريس اللغة العربية التي استقينا نحوها وصرفها من كتاب الشرنوبي الشهير، وجاء البشير بأسلوبه الرفيع محبباً اللغة إلينا، ومنفرداً عن سائر المعلمين بوضع علامة اثنين أو ثلاثة تحت الصفر، ورغم ذلك كنا نتشوق لدروسه، ولاسيما أنّه ما استخدم العصا مرة واحدة.
أما المعلم منير الذي كان يدرسنا العلوم فقد حرص على إجراء التجارب العملية في كل حصة، ولكم كنا نفرح حين يضيء "لمبة" كهربائية بسلك موصول إلى بطارية صغيرة، أو يغيّر لون الماء إلى أزرق أو أحمر بإضافة مواد كيماوية له، وبذلك كله وغيره، جعل نفورنا من مواد العلوم، ينقلب إلى نوع من العشق لها.
لم نعرف عن المعلم نجيب أنّه ضحك أو ابتسم بوجهنا ولو مرة خلال العام الدراسي، فقد اشتهر بصرامته وعصاه الطويلة التي كان اسمها آنذاك "الطبشة" والويل لمن يقع القصاص عليه، بعشر طبشات على الأقل! فهذا المعلم كان بمثابة الناظر العام، سواء في الباحة أو داخل الصفوف التي كان يتفقدها فجأة.
اذكر مرة، أنه دخل صفنا وكنا في – السابع- برفقة القطارة منعاً لانتشار الرمد، وصرخ بصوته الجهور، قيام.. فوقفنا جميعاً إلا زميلنا حسين، وهنا سأله المعلم نجيب لماذا لم تقف يا ولد: أجابه ببرودة، نحن لا نقف للحريم.
استشاط المعلم غضباً وهرع نحوه وأمسكه من كتفه وجره إلى خارج الصف قائلاً: لا تأت في الغد إلى المدرسة إلا برفقة والدك.
أتدرون كيف انتهت القصة.. جاء الوالد وقابل المدير وقال بصوت عال: عيب على الرجال أن يقفوا لحرمة ولذلك اسحب ابني من المدرسة "وبلا هالعلم" وعلى الأقل يعمل معي في الأرض.
نعود إلى سائر معلمي مواد اللغة الأجنبية والرياضيات والتاريخ والجغرافية، والذين كانوا على نفس الوتيرة من الوفاء لتأدية رسالتهم التربوية والتعليمية.. والتي كانت تتجلى مع نهاية كل عام دراسي، عبر إحياء حفلات يدعى إليها الأهالي، فإذا هم نسيج واحد مع المعلمين والطلاب.
تلكم كانت المدارس أيام زمان.. فهل من مقارنة مع هذا العصر الذي أصبحت فيه الكلمة الأولى للطالب وليس للمعلم، ولا داعي لشرح الأسباب لأنّها معروفة، أليس كذلك.