المطامع التركية في سورية

المطامع التركية في سورية

تحليل وآراء

السبت، ٢٥ أكتوبر ٢٠١٤

وضعت الحكومة التركية شروطًا عدة ردًّا على مطالبتها من قبل الولايات المتحدة والتحالف الدولي المشاركة في عمليات التحالف العسكرية ضد تنظيم «داعش»، وأهم هذه الشروط إقامة منطقة «آمنة» في شمال سوريا يتم الاتفاق على عمقها وطولها، تصلح لنقل اللاجئين السوريين من تركيا وإليها، وإقامة «الجيش السوري الحر» فيها، وتأسيس مراكز تدريب لجنوده، ومستودعات للسلاح، وقدوم الحكومة الموقتة وفصائل المعارضة الأخرى إلى هذه المنطقة، لتصبح بذلك شبه دولة سورية ثانية إلى جوار الدولة السورية القائمة، وإعداد هذه المنطقة والحكومة والجيوش التي تقيم فيها لتحل محل «داعش» إذا استطاع التحالف إضعاف هذه تمهيداً لإجلائها، والشرط الأهم من شروط الحكومة التركية هو أن يعتبر التحالف أن إسقاط النظام السوري أولى الأولويات، وهذا ما تعتبره الحكومة التركية أهم أهدافها، وترى أنه ممكن التحقق، خصوصاً إذا أقيمت المنطقة الآمنة وقامت قوات التحالف بقصف قواعد النظام العسكرية ومعسكراته، وأمدت «الجيش الحر» بالسلاح، بعد تدريب أعداد كافية من عناصره. وما لم تعلنه الحكومة التركية هو استعدادها ليس للتدخل الجوي فقط ووضع أراضيها ومطاراتها في خدمة قوات «التحالف»، بل استعدادها لإدخال جيوشها الأراضي السورية، والمساعدة على إسقاط النظام وطرد «داعش»، خصوصاً مع وجود اتفاقية سورية تركية تسمح للجيش التركي بدخول سوريا لكيلومترات عدة من دون استشارة الحكومة السورية لملاحقة «الإرهابيين»، وكانت الحكومة السورية وقعت هذه الاتفاقية العام 1998 أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد بعد التهديد التركي لسوريا إثر إعلانها الحرب على «حزب العمال الكردستاني».
من الواضح أن الشروط التركية هذه هي شروط إذعان وليدة موقف انتهازي دافعه الحاجة لمشاركتها، لكن شروطها هذه أكبر بكثير من حجم مساعداتها المحتملة للتحالف. ولذلك لم توافق عليها الإدارة الأميركية حتى الآن. ويبدو أن هذه المطالب ليست مرتبطة بالحرب ضد «داعش»، بل هي مطامع تركية تستغل الأزمة السورية وتداعياتها، أكثر من ارتباطها بحملات التحالف ضد الإرهاب، كما يبدو أن تركيا ما زالت تضغط على الولايات المتحدة لتحصل على موافقتها على قبول هذه المطالب. ومن المعلوم أن الحكومة التركية كانت تضع على رأس أولوياتها، منذ ثلاث سنوات، تغيير النظام السوري بأي طريقة، وما عملية التحالف ودعوتها للمشاركة إلا مناسبة جديدة لها كي تؤكد مطالبها وتعرض رغباتها. وكان الموقف التركي من الأزمة السورية والنظام السوري تغير منذ أن رفضت السلطة السورية الوساطة التركية لمصالحة «الإخوان المسلمين» السوريين التي عرضها السيد أردوغان في السنة الأولى للأزمة. وقد خاب أمل أردوغان منذ ذلك الوقت وتحول إلى عدو لدود للنظام السوري. وبعد ذلك، سهّلت الحكومة التركية قدوم المسلحين والمتطرفين و«الجهاديين» إلى سوريا، وقدمت لهم مساعدات عديدة وكبيرة منها مساعدات تسليحية، كما فتحت أبوابها للمعارضة السورية وللاجئين السوريين بشكل عام، وضغطت على الولايات المتحدة وعلى بعض الدول الأخرى لمشاركتها العمل على إسقاط النظام السوري. ويبدو أن فرصتها حانت الآن لتجدد مطالبها وتصيغها على شكل شروط ثمناً لتدخلها.
تنبغي الإشارة إلى أمور عدة في العلاقة التركية مع النظام السوري، على رأسها الانتصار التركي لـ«الإخوان المسلمين» ورغباتها بأن يحلوا في حكم سوريا محل السلطة القائمة حالياً، والوقوف بوجه محاولة السلطة السورية نقل اللعبة الطائفية إلى داخل تركيا واستغلال ملايين العلويين الأتراك وإثارتهم وتحريضهم ضد حزب «العـدالة والتنمية» والرئيس أردوغان وسياسته. وبغـض النـظر عن مدى استجابتهم للتحريض السوري من عدمها، إلا أن هذا «اللعب» قد يؤثر، ليس فقط في موقف العلويين الأتراك من أردوغان، وإنما أيضاً يضع بذرة طائفية (مهما صغرت) في المجتمع التركي المتعدد الأعراق والطوائف. وهناك في هذه المعمعةً أمر مهم جداً، وهو أن الحكومات التركية، منذ سقوط الدولة العثمانية وانسحابها من بلاد الشام حتى اليوم، تؤمن، من دون إعلان، أن مدينة حلب تركية. وأكثر ما احتجت عليه من اتفاقية «سايكس بيكو» أنها ضمت مدينتي حلب والموصل إلى سوريا والعراق ووضعتهما خارج سيادة الدولة التركية. وقد استمرت المطامع التركية المضمرة قائمة طوال المئة عام الماضية، وربما يلقي هذا ضوءاً على إصرارها على وضع ضريح «سليمان شاه»، جد عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية، المتوفى في القرن الثالث عشر ميلادي، تحت السيادة التركية وتنصـيب حراس أتراك على ضريحه داخل سوريا ما زالوا متواجدين حتى الآن، وتحويله في الواقع إلى رأس حربة لأي تدخل تركي محتمل. وقد حافظت الأنظمة التركية العلـمانية طوال القرن العشرين على هذا الضريح العثماني وتجاهلت أنها هي التي أسقطت الإمبراطورية العثمانية وأنها ضد تقديس مراقد الأجداد والأولياء ومن في حكمهم، خصوصاً إذا كانوا ثانويين شأن سليمان شاه. ومع كل هذا، ما زالت قواتها تحرس جد مؤسس الدولة العثمانية. وليس من المستبعد أن تكون من خطط أردوغان المطالبة بمدينة حلب أو ضمها إذا تطورت الأزمة السورية إلى تقسيم البلاد، هذا إضافة إلى تنصيب «الأخوان المسلمين» وفرض الهيمنة على سوريا.
وتواجه المطالب التركية معارضة متعددة الجوانب، منها أن إيران تنظر للسياسة التركية بريبة، باعتبارها مزاحمة لها في الهيمنة على المنطقة. كما يواجهها رفض عربي، خصوصاً أنها تبنت تيار «الإخوان المسلمين» وهاجمت النظام المصري وبعده المجلس النيابي الليبي المنتخب، وقبل هذا وذاك السلطة السورية انتصاراً لـ«لإخوان»، فضلاً عن استضافتها قيادات «الاخوان» الهاربين من بلادهم. كما يُتوقع أن تُضعف هذه السياسة آمال الأكراد بكيان ذاتي في تركيا ولذلك يرفضونها.
إن ما يثير الاستغراب هو موقف السلطة السورية المتفرج، حيث تتجاهل ما يجري حولها وعلى أرضها، وتركز اهتمامها كله على أفضل وسيلة وأقساها لقمع الشعب السوري وتثبيت سلطتها مهما كان الثمن والانسياق وراء وهم الانتصار العسكري، وكأن لسان حالها يقول ما قاله الخليفة المستعصم عندما هاجم المغول العراق، «إن بغداد تكفيني ولا يستكثرونها عليَّ» ولكنهم استكثروها عليه في النهاية.