صراع حاد على الشرق الأوسط... وآسيا الوسطى!.. بقلم: د.وفيق إبراهيم

صراع حاد على الشرق الأوسط... وآسيا الوسطى!.. بقلم: د.وفيق إبراهيم

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٤ أكتوبر ٢٠١٤

تشعر تركيا للمرة الأولى منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية عام 1917 أنها تستحق حيازة مرتبة عالمية مميّزة في حركة التفاعلات الدولية. أولاً على مستوى المواصفات، تحتلّ تركيا الموقع السادس عشر اقتصادياً في العالم، ولديها جيش من أهمّ ثلاثة جيوش في الشرق الأوسط، والحزب الحاكم فيها يعتنِق أيديولوجيا إسلامية تنتمي إلى كونفيديرالية «الإخوان المسلمين»، من دون أن ننسى أنّ أنقرة عضو في حلف «الناتو».

هذا التضخم في الإمكانات يسبّب دواراً للأتراك، فأين يصرفونه… مستشارة ألمانيا «السلطانة» ميركل أقفلت أوروبا في وجههم. فأقنعهم «العبقري الاستراتيجي» رئيس الوزراء الحالي داوود أوغلو ووزير الخارجية السابق بأهمية الايديولوجيا ودورها في تجريف الحدود السياسية وفتح حصون الكيانات.

والايديولوجيا هي الإسلام والإدارة هم «الإخوان المسلمون» والسلطان هو أردوغان «القانوني».

وللتذكير فهذه حالياً هي الرابعة من نوعها التي تقوم فيها محاولة جديدة لتأطير أكبر كمية ممكنة من الشعوب الإسلامية في إطار سياسي واحد.

الأولى هم الخوارج، وانتهوا إلى الخروج من التاريخ مكتفين بأجزاء من عُمان والجزائر. والثانية هي الوهابية التي التهمت أقلّ بقليل من مليون كيلومتر مربع في جزيرة العرب وتوقفت جغرافياً واستمرّت ايديولوجيا.

أما الثالثة فهم «الإخوان» الذين انتهوا في النصف الأول من القرن العشرين إلى عزلة ايديولوجية بعدما أدّبتهم الأنظمة السياسية.

ويبدو أنّ المحاولة الرابعة هي مشروع مشترك بين «الإخوان» وأردوغان لتأسيس كونفيديرالية إسلامية مداها جغرافيتان: الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وذلك تطبيقاً لنظرية تجريف الحدود.

جُنّ جنون أردوغان لصمود النظام السوري، لكنه لم يعرف أنّ مشروعه يصيب أيضاً السياسة الخارجية الأميركية، والتقدم الروسي والتوثب الإيراني… ويخيف السعودية ومصر إلا أنه يعجب قطر بمفردها.

لذلك يواصل المسؤولون الأميركيون توجيه انتقاداتهم إلى تركيا وبشكل تصاعدي. فإذا كان أردوغان يعتقد أنّ بإمكانه إقناع أميركا بولاء «الإخوان» وتركيا لها… فإنّ السياسة الأميركية لا تريد كونفيديرالية إسلامية موسّعة قد تحوّل تركيا إلى دولة عظمى لها امتداداتها في مجمل القارة الآسيوية، وتوافقها الرياض والقاهرة… الخائفتان بدوريهما على نظاميهما السياسيين.

وروسيا أيضاً لن تسمح بإعادة إنتاج دولة عثمانية تمنع عنها «مفاتيح» بيتها، أيّ خط بحار أزوف ـ الأسود ـ مرمرة ـ ايجه ـ المتوسط، وتخشى من امتداد هذه الدولة الإسلامية إلى الأقليات الإسلامية فيها.

وبالاستنتاج، فإن لا مصلحة أبداً لروسيا وأميركا في استيلاء تركيا على المشرق العربي بما فيه من نفط وغاز وموارد أخرى واستهلاك ـ لا صراحة ولا مداورة ـ ويجب على أنقرة أن تبقى كما هي أداة في يد «الناتو» ونهضتها الاقتصادية ليست إلا نفخة غربية، وسلعها غير قابلة للمنافسة، حتى مع إيران التي لديها طموحاتها الواسعة في العالمين العربي والإسلامي.

هناك قطبة مخفية غير متداولة حتى اليوم وتستبطن في طياتها الإصرار الأميركي على منع التمدّد التركي، وتخفي تربّص روسيا لأيّ خطأ تركي محتمل.

فإذا كان الصراع على الشرق الأوسط يتمحور بين أميركا والصين المستقبلية وإيران الواعدة وروسيا الكامنة… فإنّ الصراع على آسيا الوسطى قد ابتدأ بقوة عبر تعزيز المواقع والصداقات والتحالفات.

وتستخدم أنقرة علاقات القرابة مع بعض سكان آسيا الوسطى تركمانستان واللغة مع معظم الدول الأخرى في أذربيجان وأزبكستان وطاجكستان وقرغيزيا لتعزيز حضورها السياسي والاقتصادي ولا تتورّع عن اللجوء إلى كونفيديرالية «الإخوان المسلمين» لتمكين نفوذها من «التسلل العاطفي» إلى هذه البلدان.

والمتضرّر من هذا التسلل هي واشنطن أولاً التي تمتلك قواعد عسكرية في غير بلد في المنطقة وتسيطر على دول فيها غاز ونفط وتطمح إلى تعطيل اتفاق روسيا مع بلدان بحر قزوين الغني بالنفط والغاز.

أما روسيا فترى أنّ آسيا الوسطى هي مداها الحيوي وحدودها. وتخشى من تحريك قوى إسلامية معادية لها في هذه المناطق ما يؤدّي إلى تأليب الأقليات الإسلامية الروسية. ولبحر قزوين أهمية جيوبولتيكية لأنه يربط بين روسيا والشرق الأوسط من جهة إيران… لذلك فإنّ آسيا الوسطى خط أحمر أميركي ـ روسي… وهذا لن يمنع السلطان أردوغان «القانوني» من اختراق المنطقة حتى على المستوى الثقافي بدليل أنّ آلاف الطلاب من آسيا الوسطى يتلقّون العلم بمنح تركية في جامعات تركيا.

من هنا نرى أنّ براغماتية «إخوان تركيا» تذهب إلى حدود القبول بحصة من اقتصاد آسيا الوسطى على حساب كونفيديرالية إسلامية مزعومة.

الصراع التركي مع روسيا وأميركا مقبل وبوتيرة تصاعدية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى… وإذا كانت واشنطن رفضت حتى الآن الابتزاز التركي في كوباني، فإنّ روسيا لن تساوم ودورها سيبرز في وقت قريب بغضّ النظر عن مسألة أوكرانيا. ويخشى المحللون أن يدفع الدوار التركي بأردوغان إلى ضرب رأسه بأقرب حائط فيطيح ببلده ومعه قطر… وكونفيديرالية الإخوانجية في آن معاً.

فإذا كان الصراع الروسي ـ الأميركي لا يزال مستعراً فكيف يمكن لتركيا أن تقدم نفسها طرفاً ثالثاً على حساب الحصة الأميركية.

لربما تعتقد بقدرة قطر على إقناع واشنطن ولله في خلقه شؤون.