الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي.. بقلم: فادي برهان

الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي.. بقلم: فادي برهان

تحليل وآراء

الأربعاء، ١ أكتوبر ٢٠١٤

عالمٌ فقيه ومحدثٌ ثبت، برٌ ثقةٌ محققٌ وبحاث قوي الحجة، عرفه بيته أباً عطوفاً ومضيافاً كريماً يقصده الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات يأتونه من كل فجٍ عميق فيقوم باذلاً جهده في خدمتهم، وعرفه بلده ناصحاً أميناً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولا ينقطع عن الإرشاد والتوجيه مهما ضاقت به السبل أو قصرت في يده الحيلة، وعرفه وطنه ثائراً قائداً شجاعاً مقداماً وحدوياً ناضل ضد الاستعمار ودعا لوحدة الصف والكلمة والموقف، وعرفه التاريخ صفحة مشرقة ناصعة البياض لم يخدش طهرها دنس ولم يتخللها عيب أو شين، نقش صفحات مجده بعلمه ومعرفته وسعة اطلاعه وثقافته ووعيه الديني والسياسي الذي دفع به إلى سدة الزعامة وجعله قيّماً على مجتمعه المتعدد الانتماءات فلم يمنعه ذلك من أن يكون أباً للجميع بلا فرق، وراعياً للرعية على اختلاف مذاهبها وأطيافها وساعياً بكل ما أوتي من قوة لقطع دابر الشغب بين أبنائها.
وقف في مؤتمر وادي الحجير في جبل عامل ضد المستعمر الفرنسي فقال كلمته دون خوف أو وجل: (.. إخواني أعلام الأمة إننا اليوم في هذا المفترق الخطير أشد حاجة من أي وقت للاعتصام بحبلهم _ آل البيت عليهم السلام _ والسير على نهجهم فإما عزة لا تفصم أو ذلة لا ترحم، إما حياة حرة أو هوان تهدر في حمأته إنسانية الإنسان إما استقلال دون وصاية أو استعباد نكون معه كالأيتام على مأدبة اللئام.. يا فتيان الحمية المغاوير الدين النصيحة، ألا أدلكم على أمر إن فعلتموه انتصرتم: فوّتوا على الدخيل الغاصب برباطة الجأش فرصته واخمدوا بالصبر الجميل فتنته فإنّه والله ما استعدى فريقاً على فريق إلا ليثير الفتنة الطائفية ويشعل الحرب الأهلية حتى إذا صدق زعمه وتحقق حلمه استقر في البلاد تعله حماية الأقليات... ألا وإن النصارى إخوانكم في الخلق وفي الوطن وفي المصير فأحبوا لهم ما تحبونه لأنفسكم وحافظوا على أرواحهم وأموالهم كما تحافظون على أرواحكم وأموالكم وبذلك تحبطون المؤامرة وتخمدون الفتنة.)
كما حمل هموم شعبه فاتصل بالقادة والرؤساء السياسيين وحثهم على خدمة شعبهم وحضهم على قضاء حوائج الناس وتنمية المناطق المحرومة فوجه لهم رسائل النصح والترغيب.. فمن رسالة له وجهها لرئيس جمهورية لبنان حبيب باشا السعد بتاريخ 3 جمادى الأولى 1347 هجرية..(ولبنان تربة خصبة يزدهر فيها الزرع ويدر في ربوعها الضرع، فتعهد هذه الأرض الطيبة تؤت أكلها بإذن ربها...أما الجنوب وعاملة قسمه الأوفى فإنّ مرابعه يباب وماءه محض سراب لم تمتد إليه يد ببناء ولم تلح له قط بارقة رجاء ولعل يدك الكريمة تسرع إليه بما أبطأ عنه وتعود عليه بما حرم منه...)
ومن رسالة أخرى وجهها إلى الرئيس بشارة الخوري إثر اعتداء الصهاينة على الجنوب عام 1948م
(.. وحسبنا الآن نكبة جبل عامل في حدوده المتاحة ودمائه المباحة وقراه وقد صيح فيها نهباً، وأطفاله وقد تأودت رعباً، وقد استحر به الفتك، إلى ما هنالك من هلاك الحرث والزرع.. هذا الجبل المرابط يدفع جزية الدم لشذاذ الآفاق من كل من لفظته الأرجاء ونبذته الأرض والسماء...)
ومن نداء له للعرب والمسلمين في شهر محرم الحرام عام 1367 هجرية: (.. ألا وأن قتلة الحسين بكر في القتلات فلتكن قدوتنا به بكراً في القدوات ولنكن نحن من فلسطين مكان الحسين من قضيته ليكون لنا ولفلسطين ما كان له ولقضيته من حياة ومجد وخلود..)
ولم يبت _ قدس سره _ ليلة واحدة كما أخبر أبناؤه إلا واسترجع بذاكرته فلسطين وحلم بتحريرها من رجس الاحتلال ودنس الاستعمار وأوصى الأجيال القادمة وفي كل مناسبة أن لا يتركوها نهباً بين أيدي الصهاينة يعيثون فيها فساداً..
هكذا قضى علماؤنا حياتهم بالجهاد والكفاح يحملون همّ الأمة ويذودون عن حياضها ويبذلون الغالي والرخيص في سبيل تحريرها من براثن العدوان وتوحيد صفوفها وانتشالها من مستنقعات التخلف والجهل.. فهل إلى مثلهم اليوم من سبيل ؟؟