سر العلاقة بين "إيبولا" و "داعش" و"واشنطن"

سر العلاقة بين "إيبولا" و "داعش" و"واشنطن"

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٣٠ سبتمبر ٢٠١٤

بين "إيبولا" و "داعش" روابط جوهرية، قد يبدو الأمر غريباً أو هزلياً، بالتدقيق وملاحقة الخيوط تظهر الصلة واضحة، حيث ظهر مرض "إيبولا" في دول غرب إفريقيا، بينما أطلق المتطرّفون تنظيم "داعش" في العراق والشام، في الزمن ذاته ضرب المرض المكونات البشرية في المناطق التي انتشر فيها، فيما استهدف التنظيم المكونات الاجتماعية في الأماكن التي تواجد فيها..
تحوي الدول الإفريقية ثروات طبيعية هائلة من الذهب والألماس واليورانيوم الذي يستخدم في الصناعات النووية وباقي المعادن الثمينة، وما يميز تلك الدول أنَّها تملك احتياطات كبيرة من تلك الثروات والنفط والغاز، عدا عن المكانة الجغرافية لغرب افريقيا كونه يشكل عامل ربط في التجارة العالمية..  في الآونة الاخيرة بدأت دول إفريقيا الغربية بالتخلص من الحروب التي أنهكتها طويلاً، مضت قدماً في الطريق نحو الازدهار الاقتصادي، لكن جاء "إيبولا" يباغتها أثناء الانطلاقة ليعطّل مسيرة التقدم فيها..
بالمقابل تتميز منطقة العراق والشام وتحديداً في الشمال والشرق بوجود ثروات طبيعية من النفط والغاز، عدا عن أهميّة تلك المساحة الاستراتيجية التي تُشكّل طريقاً لمد أنابيب تلك الثروات ووصلها بالبحر الأبيض المتوسط وربطها دول شبه الجزيرة العربية بالغرب، كما بدت المنطقتان الإفريقية والشرق أوسطية في عين الغرب الطامح لاستعمار جديد مغلّف هذه المرة..
أعلنت واشنطن الاستنفار لمواجهة "إيبولا"، عادة محاربة المرض تقتضي إنتاج علاجات ولقاحات تحد من انتشاره وصولاً للقضاء عليه، وهذا ما يحصل خلال مواجهة المخاطر المرضية، لكن اختلف الأمر بالنسبة الى الأميركيين في ملاحقة "إيبولا"، هم أرسلوا جنوداً وخبراء عسكريين..
في السنوات الماضية رُصد سباق دولي للاستثمار في دول إفريقيا، سعى الأميركيون والإسرائيليون لمنع الصينيين والإيرانيين  من الاستثمارات الواسعة، علماً أنَّ طهران وتل أبيب تنافستا على غرب إفريقيا في السنوات القليلة الماضية، وكان الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد زار تلك المنطقة وعبَّر عن رغبة بلاده بالتفاهم مع دول غرب إفريقيا سياسياً وأيديولوجياً واقتصادياً، معظم تلك الدول تدين بالإسلام، من هنا كان التقارب الإيراني يسعى لإنشاء تحالف إسلامي جدي معها..
لا تختلف عملياً النظرة الأميركية والإسرائيلية وحتى الإيرانية والروسية والصينية لبلاد غرب إفريقيا عن الشام والعراق، المدى استراتيجي بالنسبة الى كل القوى العظمى، التحكم في كلتا المنطقتين يسمح بالسيطرة على قرارات سياسية و استثمارات اقتصادية وتوازنات عسكرية وإقامة تحالفات..
انشغال الأفارقة بمرض "إيبولا"، لا يختلف عن انشغال بلاد الشام والعراق بتنظيم "داعش". كلاهما وباء يقضي على عناصر القوة البشرية ويولّد أزمات بعيدة المدى. المرض والتنظيم الإرهابي يشكلان مدخلاً لعودة الاستعمار..
الصراع على النفوذ قائم في المنطقتين، من هنا تترسَّخ القناعة بأنَّ "داعش" مولود يستهدف ضرب سوريا والعراق خدمة لمآرب إسرائيلية وأميركية، وجذب التدخلات الغربية تحت عنوان القضاء على الارهاب..
أوجه الشبه متطابقة في أساليب محاربة المرض والتنظيم بالنسبة الى الغرب. بدل إنتاج اللقاحات والعلاج لمنع تمدد "إيبولا" يجري التدخل العسكري في غرب إفريقيا تمهيداً لاستعمار معنون يقوم بتوجيه الاستثمارات والسيطرة الاقتصادية ويمنع الصينيين والروس والإيرانيين من التواجد في إفريقيا، ويفرض النفوذ الأميركي سطوته على تلك الدول..
وبدل منع تمويل "داعش" وإجبار تركيا على عدم التعاون مع التنظيم اقتصادياً و بشرياً، ومحاربة أصوله وضرب قوافله العسكرية التي استباحت المناطق من سوريا الى العراق تحت أعين الأقمار الاصطناعية والطائرات الاميركية ، يحارب الغرب "داعش" عن بعد في سبيل إنهاك السوريين والعراقيين وتقسيم المنطقة وسحبها من تحت نفوذ محور المقاومة خدمة لإسرائيل..
الحرب على "إيبولا" كما المواجهة مع "داعش" تبدو طويلة الأمد، كي يتمكَّن الغرب من ابتزاز المعنيين المرضى أو المستهدفين بالأموال والثروات قبل إعادة سيطرته على مساحات واسعة تستطيع أن تتحكم بالتجارة العالمية وتنقل عائداتها الاقتصاد الغربي الأميركي والأوروبي من التدحرج نحو الهاوية الى الاندفاع صعوداً من جديد.