شركات خالية الدسم ..بقلم: إيفلين المصطفى

شركات خالية الدسم ..بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٢١ سبتمبر ٢٠١٤

Evlism86@gmail.com
يبدو أنّ سياسة الانفتاح الاقتصادي التي تم إدخالها على الاقتصاد السوري من قبل بعض المسؤولين تجاهلت عدداً من الأمور الأساسية المتعلقة بقدرة البيئة السورية على تبني مثل هذا النهج الاقتصادي، وخاصة أنّ أي نهج اقتصادي يحتاج لبيئة قانونية وتشريعية قادرة على دراسة آليات التعاطي مع أي نهج اقتصادي يتم تحديده.
ومع استمرار التصريحات التي تؤكد على فتح باب الاستثمار لتطوير وتنمية البيئة الاقتصادية، نجد أنّ هناك بعضاً ممن يدّعون معرفتهم بالاستثمار باتوا يستغلون ضعف البيئة التشريعية التي تتيح لهم الاستثمار والتأسيس لشركات أو حتى مصارف برأس مال هزيل لا ينسجم مع الجدوى الاقتصادية للمشروع الذي تتبناه الشركة، حتى إنّ الجهات التي تصادق على تأسيس مثل هذه الشركات لم تأخذ في حسبانها قدرة هذه الشركات على العمل وتأمين مستلزمات الإنتاج، وكأن الأمر أصبح مجرد تعبئة صفحات للتحدث عن الإنجازات.
مؤخراً كثرت ظاهرة المصادقة على تأسيس شركات محدودة المسؤولية التي توافق عليها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، لكن حين التمعن في رأس مال الشركة المصرح عنه نجد أنّ الغالبية من هذه الشركات تصرح عن رأس مال هزيل غير قادر على فتح بسطة صغيرة في ركن من أحياء دمشق، فكيف يتم السماح لهذه الشركات بالعمل دون تدقيق آليات عملها والجدوى الاقتصادية، نذكر على سبيل المثال شركة إيبلا للطيران المتخصصة في مجال الطيران حيث يدخل في نطاق عمل الشركة الشحن ونقل الركاب والبضائع جواً، وتسيير الرحلات الجوية من وإلى الجمهورية العربية السورية، وتملك الطائرات واستئجارها وتأجيرها، ويبلغ رأس مال الشركة التأسيسي 7 ملايين ليرة سورية، والسؤال هنا هل تكفي 7 ملايين ليرة لشراء طائرة، أعتقد أنّ 7 ملايين لا تكفي ثمن عجلات للطائرة.
بالطبع شركة إيبلا ليست الوحيدة، فمؤخراً أيضاً صادقت وزارة التجارة على النظام الأساسي لشركة سومر وشركة راما اللتين تعنيان بإنشاء محطات الوقود في سورية، وتندرجان ضمن فئة الشركات المحدودة المسؤولية، ومركزهما في مدينة دمشق وبرأس مال قدره مليون ليرة سورية لكل شركة، محددة  الغاية من الشركتين إنشاء محطات الوقود وتأمين مستلزماتها، بالإضافة إلى ممارسة بعض الأنشطة الخاصة في هذا المجال، وهنا نسأل هل يمكن شراء مضخة وقود الكترونية بمليون ليرة سورية فقط؟
بالطبع لا فرأس مال الشركات التي يتم المصادقة عليها، تضعنا أمام خيارين إما أنّ الشركات لا تصرح عن رأسمالها الحقيقي كي تتجنب الضرائب، وهذا لا يتم دون الاتفاق مع الجهة المصدقة على المشروع، أو إنّ هذه الشركات تحذو حذو المصارف الخاصة التي تم التأسيس لها برأس مال هزيل تمكنت من خلاله من جني الأرباح على حساب أموال المودعين، فبتنا نشاهد أنّ مصرفاً لا يتجاوز ما بقي من رأسماله  2 مليار ليرة سورية فيه موجودات بحوالي 30 مليار ليرة سورية، وهذا أمر لا مثيل له في العالم، وحين تلمست الجهات المعنية هذا الأمر طالبت المصارف برفع رأسمالها إلا أنّ المصارف اتبعت سياسة المماطلة، واستمرت المماطلة، إلى حين وقوع الأزمة فأصبحت الأزمة شماعة لتأخير رفع رأسمالها، علماً بأنّه في كافة الدول في العالم حين حدوث أزمة تلجأ السلطات إلى رفع جاهزية البنوك بتلقي الصدمات برفع رأسمالها.
إنّ الغاية من الإشارة إلى المصارف الخاصة هو توضيح المقاربة بين الآلية التي يتم التأسيس لها للشركات محدودة المسؤولية لما تحمله من مخاطر في حال قامت هذه الشركات بعقد صفقات ضخمة فإن القضاء لا يستطيع أن يسائلها إلا بمقدار رأسمالها، لكون المسؤولية القانونية تنحصر في رأس المال فقط، وكونها محدودة المسؤولية فإنّ أي صفقة تعقدها لا تلتزم قانوناً إلا بقيمة رأسمالها.
وبالتالي فإنّ رأس المال الهزيل لمثل هذه الشركات سيدفعها لسحب قروض مالية  ضخمة من المصارف  للتأسيس للمستلزمات، وفي حال تعثرها عن الدفع لا يمكن للقضاء محاسبتها إلا برأس مالها المعلن عنه، لذلك من الضروري أن يقوم المشرع السوري بتعديل القانون الناظم لتأسيس شركات محدودة المسؤولية، وأن يتم فرض حد أدنى للرأسمال يتوافق مع النشاط المعلن عنه، حتى لا تتفاقم أزمات الاقتصاد السوري أكثر مما هي عليه.