نهاية الرهانات الخاسرة في سورية

نهاية الرهانات الخاسرة في سورية

تحليل وآراء

الاثنين، ١ سبتمبر ٢٠١٤

سورية اليوم تتعرض لدورات عنف وصراع دموي من خلال سيناريوهات التآمر التي استحدثت على عجل من مختلف أنحاء العالم في محاولات لتمزيق وحدتها ووجودها المحوري الكبير والإستراتيجي في هذا الركن الهام من العالم، إن هذا الإستهداف المنظم أصبح ملموساً وعلنياً بشكل فاضح وصريح وفاق في دنائته كل التوقعات وفوق ما قد يتصوره العقل البشري في محاولات يائسة وبائسة لإعادة جر سورية الى الفوضى والخراب, وتحويلها الى دويلات وسلطنات من أجل إضعافها، مرتكزة على أدوات وقوى غربية ووجوه كانت بالأمس ممن يلبسون قميص الوطنية والقومية والتحررية. إن الوضع السوري، ورغم التقارير المتشائمة والمخاوف من إندلاع حروب أهلية، يبدو أن المجتمع السوري بدأ يستشعر التهديدات، ويتجه بغريزة حب البقاء والمحافظة على كيان دولته إلى الإلتفاف على وطنه الكبير"سورية"، فربما هي الآلية الوحيدة لتحقيق إنقاذ فعلي للبلاد، وإذا فشلت هذه المساعي، فلن يتبقى لسورية أي منقذ آخر، وستسقط البلاد في أتون حروب وثارات لا تنتهي بما يؤدي بها إلى التقسيم أو التدخل الدولي أو الوقوع تحت الوصاية الدولية، والأخطر من الأمور كلها هو أن تسقط فريسة للإرهاب وحينها ستشكل تهديداً غير مسبوق للجميع، ففي سورية إغراءات جاذبة للجماعات الإرهابية أكثر من أي بلاد أخرى، فهناك الموقع الإستراتيجي و السلاح وأكثر الإغراءات جذباً وجود النفط والثروات الطبيعية، وإذا تم توظيف مثل هذه الثروات الهائلة في الإرهاب، فليس بالإمكان تحديد إلى أين ستصل الأمور، ولا معرفة ما إذا كانت سورية ستبقى أم ستصبح كارثة مترامية الأطراف. لذلك مخطئ من يظن أن الموقف الأمريكي والغربي، الغاضب والمرتبك جراء ما يجري على أرض سورية هو إنحياز للشعب وأسوأ من هذا الظن الخاطئ أن يتصور أحد أن الولايات المتحدة تدافع عن الديمقراطية في سورية، فلم تكن أمريكا ولا الغرب في يوم من الأيام مدافعاً حقيقياً عن حقوق الإنسان، فالدول الغربية لا تقيم علاقاتها ولا تقطعها إلا على أساس المصالح المشتركة، فقضايا الحريات وحقوق الإنسان هي مجرد أدوات تستخدمها في تحقيق هذه المصلحة حين تنشأ الحاجة إلى إستخدامها، وإن تعرضت مصالح هذه الدول لأي تهديد من أي نوع فهي لا تقيم وزناً لقيم حقوق الإنسان ولا الديمقراطية بل تضرب بها عرض الحائط . وفي سياق متصل إن رهان الفوضى في الداخل من ناحية والرهان على الضغوط الخارجية من ناحية أخرى جعل الجهاديين والمليشيات المسلحة والمنفلتين يعتمدون سيناريو الدم والصدمة ليتمكنوا من إحداث أكبر درجة من الإرباك في بنية مؤسسات الدولة لفتح طريق أمام تفتيت سورية والسيطرة عليها وسط تصاعد الضغوط من قوى دولية بدت متحفزة ومتآمرة، وبالتالي فإن الرهان الأمريكي والغربي تطابق مع أهداف هذه المليشيات المتطرفة وبدا تلاقي المصالح بينهما، وكانت المطابخ الغربية والأمريكية تعد وجبة مسمومة، إلا أن وعي الشعب السوري فضحها كونها تريد تفويض الجيش وإعادة تقسيم سورية عن طريق إدخالها في حالة إحتراب أهلي وربما إستنساخ جديد للتجربتين الجزائرية والعراقية، فالمخططات الأمريكية الغربية تراهن على إعادة سيناريو الفتنة الطائفية الذي جربوه في العراق بين السنة والشيعة ونجح في تخريب وتمزيق العراق شعباً ووطناً وكياناً، ويريدون أن يعيدوا فصوله في سورية من خلال إثارة النعرات الطائفية والمذهبية بين المسلمين والمسيحيين وبين السنة والشيعة لكي يعم البؤس والخراب والتخلف ولكي تظل إسرائيل هي القوة الوحيدة في المنطقة، إلا أن صانع القرار الأمريكي فوجئ بأن سورية أصبحت مهيأة أكثر من أي وقت مضى للخروج عن السياق الذي يريده الغرب من تطويع القيادة السورية لتنفيذ مقتضيات الإستراتيجيات الغربية في المنطقة، كون سورية تتسم بإستقلالية قرارها الوطني، هذا مما أعطى سورية قوة لتستعيد دورها من جديد في المنطقة، وفي إطار ذلك فإن الصدمة التي تلقتها واشنطن بصمود سورية وقدرتها على مواجهة أطماعها أفقدتها توازنها، وسعت وراء كسب المزيد من الوقت لتعيد ترتيب أوراقها في المنطقة، ويبدو أنها في طريقها إلى إدراك أن مشروعها الذي إعتمدت فيه على تنظيم داعش والتنظيمات المسلحة الأخرى الذي أوجدتها قد إنتهى أمرها . واليوم فإن الرهان على الشعب السوري ووعيه للمخاطر أولاً وعلى بسالته ومقاومته للتنظيمات المسلحة ثانياً يكسب عدة جولات حاسمة حتى الآن في صراع الرهانات الخاسرة في سورية ويبدو جلياً أن الدولة ممثلة في الجيش والشرطة قد عقدوا العزم على تأكيد سطوة الدولة وقدرتها على فرض الأمن وحصار جماعات العنف"داعش"، ومن هذا المنطلق إضطرت الأطراف الدولية إلى مراجعة مواقفها، تقودها مصالحها وتصنع سياساتها الحقائق على الأرض خاصة بعد ما تجلى فشل "داعش" وأخواته في توفير أي غطاء شعبي لمخططها، وأدى عنفها إلى إرتفاع درجة الكراهية معها وتلطيخ سمعتها بالإرهاب وتعالت المطالبات الشعبية بالقضاء على المليشيات والتنظيمات المسلحة وإعلانها جماعات إرهابية . وفي واقع موضوعي صعب وبالغ التعقيد كهذا فإن خريطة الطريق الوحيدة الممكنة إلى الوصول الى الأمن والإستقرار في سورية هي تلك التي تنطلق من التعامل مع التحديات الراهنة ببُعد نظر ورهان على المستقبل، بعيداً عن الإرتهان للماضي، وتصفية حساباته الصغيرة، والعمل تحت سقف مشروع سياسي جامع لكل مفردات سورية الجديدة المنشودة، ومن هنا فإن أول هدف ينبغي تركيز الجهود لتحقيقه هو المصالحة بين كافة أطياف وأطراف المشهد السوري، والعمل على إيجاد أهداف ومعان مشتركة جامعة قادرة على إستقطاب كافة السوريين تحت سقف واحد. وأخيراً أختم مقالتي بالقول لقد راهنت التنظيمات المسلحة على أمريكا وحلفاؤها من العرب وخسروا رهانهم الكبير بعد فقدانهم التعاطف الشعبي وإرتكابهم المجازر بحق المواطنين، وراهنت الإدارة الأمريكية على المليشيات والجماعات المتطرفة فخسروا جوادهم الذي بدا أنه غير قادر على كسب السباق مع الملايين التي خرجت ترفض إستمرار وجودهم في سورية، لذلك ثمة حاجة إلى بقاء سورية موضع إحتضان عربي، من دون سورية يبدو التوازن الإقليمي مهدداً أكثر من أي وقت، لذلك يجب عليهم أن يراهنوا على إستمرار حضورها الداعم للأمن والإستقرار الإقليمي في ظل الأوضاع الدولية المعقدة الراهنة .