«المنهج الداعشي»..كان سيّد «الحراك الثوري السوري» منذ الأيام الأولى!!..

«المنهج الداعشي»..كان سيّد «الحراك الثوري السوري» منذ الأيام الأولى!!..

تحليل وآراء

الاثنين، ١ سبتمبر ٢٠١٤

 نجحت القيادة السورية بشكل كبير وهائل في تقديم وتظهير المشهد الرئيسي والحقيقي للحاصل على أراضي الوطن السوري، وهو لم يتبدل أو يتغيّر في عناوينه الرئيسية، وإن تغيّر في حجم هذه العناوين ومسقطاته على الأرض، خاصة فيما تعلق بالعنف الذي مورس وطبيعته منذ اللحظات الأولى، إضافة إلى هوية الأطراف التي مارست هذا العنف، وصولا إلى حقيقة موضوعية تتعلق بأبعاد «الحراك» الذي قُدّم على أنه «ثورة» ضد «النظام»!!..
لقد كانت الدولة بحاجة ماسة لهذا الزمن من الاشتباك، وهذه «الإستراتيجية» في مواجهة العدوان، لأنه قُدّم من كثيرين على أنه «ثورة شعبية» من أجل «إسقاط النظام»، وأراد له كثيرون أن يأخذ هذا المنحى وأن تبقى حقيقته مخفية في ظلّ إعلام يعمل بشكل هائل وكبير على تقديمه بهذه الصورة، حيث كان مطلوبا وبشكل حاسم أن يكون المشهد السوري مضغوطا باتجاه هذا المعنى، في حين أن الواقع الموضوعي للحاصل لم يكن كذلك، كما أنه لم يتغيّر في أساسياته، غير أن زمن «المشاغلة» التي عملت عليها القوات المسلحة السورية ومؤسسات الدولة الرئيسية ظهّرت حقيقة الحاصل، وفضحته بشكل واضح وجلي، وقدّمته للعالم أجمع، وللسوريين أولا وأخيراً، على أنه عدوان صرف على الدولة والوطن السوريين..
كان مطلوباً وبشكل كبير أن يتم الاشتغال على هذه المعاني وهذه الحقائق، فكان لا بد من زمن كفيل لهذا التظهير، كما أنه كان مطلوباً فضح ما كان قد قدّمه البعض على غير حقيقته، وخاصة أنّنا نتذكر جيداً أنه في الآن الذي كان إعلام العدوان يتحدث عن «انتفاضة مثقفين» في الجنوب السوري، كان الواقع الموضوعي يتحدث عن مجموعات تنتمي إلى نسق مجتمعي متأخر في المجتمع ينفّذ عدوانا «غرائزيا» على مؤسسات الدولة، من «كهرباء وماء وصحة وتربية وخدمات...»، إضافة إلى بعض المؤسسات الحزبية التي تقدم خدمات للمواطنين، وأنّ أفراداً تقدّموا كي تهيأ لهم فضاءات معينة، طائفية ودينية وعشائرية، موصولة بفلسفة تاريخية لها علاقة بمفاهيم كانت موجودة قبل وجود الدولة، كي يمارسوا «غرائزيتهم» في العدوان على الدولة والمجتمع، تقودهم وتحركهم أجهزة استخبارات لدول مجاورة كانت متورطة في العدوان على سورية..
لقد كان العدوان واضحاً وجليّا منذ الساعات الأولى، وهو عدوان على كل ما هو حيّ في جسد الدولة، من أجل إضعافها وتفتيتها، ومن أجل فصل الأطراف عن المركز وصولا إلى تلاشي مؤسسة الدولة الرئيسية، الحامل الموضوعي لكيان الوطن ووحدة ترابه، فكان العدوان على مؤسسات الدولة هدفا رئيسيا، حتى مؤسسة القوات المسلحة، التي نالها قسط كبير من هذا العدوان والتطاول، في ظل تصاعد خطاب كان مشغولا عليه بشكل هستيري في سبيل إسقاط «القدسية الوطنية» عن جملة هذه المؤسسات، فبدا أن العدوان على مؤسسات مثل: «الكهرباء والصحة والمياه والتربية والقضاء.. «، مبرَّراً تحت ذريعة «الفساد»، أو تحت ذرائع أخرى لها علاقة بعناوين مثل «المحسوبية»، فهل حقيقة أن العدالة الاجتماعية التي كانت تنادي بها بعض وسائل الإعلام تتطلب إحراق هذه المؤسسات، والنيل منها وهي أملاك عامة لكل المواطنين يستفيد منها جميع أبناء الوطن؟!!..
هل صحيح أن إحراق القصر العدلي في مدينة درعا منذ الأيام الأولى كان يهدف إلى تحقيق مبدأ «الديمقراطية» وإعادة توزيع الثروة، وهل صحيح أن إحراق مؤسسة الكهرباء يعني القضاء على «المحسوبيات»، وهل صحيح أن قيام إمارة في مدينة نوى أو بعض قرى الجنوب السوري كانت تشكل مفتاح الدخول الرئيسي إلى «الدولة الحديثة»، وهل صحيح أن الدعوة للفرار من مؤسسة القوات المسلحة أو الاعتداء على طاقاتها أو ثكناتها ومنذ الساعات الأولى، كان مدخلا لقيام الدولة المنشودة المستقلة، وصيانة وحدة التراب السوري؟!!..
وهل صحيح أن «الثورة» تستدعي إحراق كل ما هو منجز خاصة المؤسسات المدنية التي تُعنى بشؤون المواطنين، بعيداً عن السياسات التي اتبعتها الدولة، ويكون ذلك بوصلة حقيقية باتجاه إنجاز الدولة التي تتطلع إليها الثورات عادة، وهل صحيح أن التركيز على عناوين لها علاقة بخريطة الانتماءات المجتمعية والمدنية للمواطنين السوريين، سوف يشكل منصة «الثورة» التي سوف تنتج مجتمعا متماسكا للوصول إلى الدولة الحقيقية؟!!..
وهل صحيح أن شخصاً كـ «العرعور» مثلا، كان يشكل عنوانا رئيسيا في «ثورة» تنتج دولة لكل السوريين، وهل صحيح أن حالة عالية من الجهل والاستتباع التي كانت تحصل لجهة أنساق مجتمعية وهي تصغي له في اتباع إستراتيجية «الطرق على الطناجر» تؤسس لمجتمع متعاف من كل ملحقات الجهل والخرف والشعوذة، للخروج من «المحسوبيات» ومواجهة «الفساد»؟!!..
هذا الحريق الحقيقي الذي كنّا قد تحدّثنا عنه منذ اللحظات الأولى للعدوان على الوطن السوري، لكنّه كان يحتاج لإستراتيجية تظهير أفضل ولزمن مشاغلة يضمن له جانبا من الزمن والجغرافيا كي يشعر به جميع المواطنين، وكي يشعر به المحيط السوري والرأي العام العالمي، في الآن الذي ندرك به أن أحداً من المشغلين الرئيسيين له لم يكونوا بحاجة لهذا الزمن أو هذه المساحة الجغرافية، لأنهم كانوا الأدرى فيما أعدوا وفيما اشتغلوا عليه، عدوانا على الوطن السوري..
ماذا يختلف «العرعور» أو حتى «النابلسي» مرورا بالمدعو «أحمد صياصنة» وبعض الأسماء الأخرى التي أطلت علينا من كتب التراث المشغول عليه «تلموديا»، ماذا يختلفون عن «البغدادي» أو «الجولاني» أو «الظواهري»، هؤلاء جميعهم أصحاب مدرسة واحدة وأصحاب منهج تفكير واحد، ربما أن البعض منهم لا يعرفون بعضهم بعضاً، أو لا تجمعهم جغرافيا ضيقة واحدة، لكنّهم أبناء منهج تفكير واحد، وأصحاب مدرسة واحدة..
أولئك الذين أفتوا بحرق مؤسسات الدولة منذ الأيام الأولى في الجنوب السوري، وتحديداً في مدينة درعا، هم أنفسهم أولئك الذين يهاجمون المواقع العسكرية ويعدمون الناس في أكثر من مدينة وقرية على مستوى العراق وسورية ولبنان، وهم أنفسهم أولئك الذين أفتوا بقتل الناس وسلبهم ونهبهم على أساس انتماءاتهم وأفكارهم ومعتقداتهم، وهم الذين حوّلوا جزءاً من أبناء المنطقة إلى قطعان وعبيد!!..
من هنا يكون واضحاً لنا جيداً أن إستراتيجية «داعش» وأنّ عقل «داعش» وأنّ المنهج «الداعشي» كان مشغولا بهم منذ اللحظات الأولى، لما أطلق عليه «انتفاضة المثقفين»، و«داعش» كانت حاضرة بلبوس آخر، لم يكن قادرا على التعبير عن ذاته بهذه الطريقة التي تبدو عليها اليوم!!..