فرانسوا أولاند الطوشة .. ومناقصة "الارهاب والكباب"

فرانسوا أولاند الطوشة .. ومناقصة "الارهاب والكباب"

تحليل وآراء

الأحد، ٣١ أغسطس ٢٠١٤

لاأدري لماذا يذكرني الرئيس الفرنسي بالشخصية الكوميدية السورية الأشهر "غوار الطوشة" .. ربما لقصر قامته ومحاولته الوقوف كأنه ذو قامة مرتفعة ..
 كما أن حركاته والتفاتاته السريعة الكوميدية التي تبدو غير صادرة عن شخصية مرموقة متزنة توحي أنه ليس الرجل المناسب في المكان المناسب بل كاراكوز مناسب في المكان المناسب .. وأحس أن الرجل يحاول جهده ليبدو ذا هيبة وسطوة في المسرح الدولي عملا بنصيحة نيقولاي ماكيافيللي القديمة الذي وجد كتابه "الأمير" في عربة نابوليون بونابرت بعدما تركها مهزوما في معركة ووترلو الشهيرة .. فوصية ميكيافيللي للأمير كانت أن "الهيبة أساس من أساسيات الحكم" ..
ولاأدري لماذا كلما ظهر "الأمير" فرانسوا على التلفزيون أتوقف عن مواصلة أي شيء ان كان عملا أو حديثا أو طعاما أو غضبا ولاأفوت متابعته لدقائق وكأنني أتابع مشهدا كوميديا لـ "غوار الطوشة" وهو يتحاور مع ابطال "حارة كل مين ايدو الو" وليس للأمير الفرنسي فرانسوا أولاند ..
سبحان الله .. هذا الرجل كأنما خلقه الله للترفيه عن نفسي في زحمة الأخبار الداعشية التي تبدأ بذبح وتنتهي بذبح بعد ان تمر بمجزرة أو مجزرتين في اليوم الواحد وبمجموعة من جرائم الرجم والصلب والسبي .. ولكن ظهور أولاند الطوشة أنقذني من عبوسي مرات عديدة وجعلني انسى همومي وهو يحاول أن يجلس بضآلته على كرسي شارل ديغول الكبير .. أو يجهد في اقناعنا أنه من سلالة نابوليون العائد لاستكمال فتح عكا وسورية (التي صده عنها واليها أحمد باشا الجزار) وان كان لا يرتدي قبعة نابوليون الشهيرة .. وأحيانا يريد ان يوحي بنظراته الاستعلائية الصناعية ان مايجري في عروقه هي دماء ملوك فرنسا الذين سقطت رؤوسهم في سلال المقاصل عندما كان للفرنسيين "دواعشهم" ومحاكمهم الثورية ..
لاشك انه رغم استظرافي له أنني أعتبره أتفه رئيس فرنسي على الاطلاق .. ولكنه أخفهم ظلا بالقياس الى ثقل دم ساركوزي المخمور .. وعصبية مزاج شيراك الذي كان صبره نافذا مثل أردوغان دوما (حتى يكاد أن يكون لقبه أردوغان الفرنسي) .. وكذلك قياسا الى تجهم ميتران وصلفه .. ولاأدري لماذا أحس أنه في جذوره ايطالية وليست فرنسية ..
غوار الطوشة الفرنسي (أولاند) قال بفهلوية منذ أيام انه "يريد القضاء على داعش بزيادة دعم المجموعات السورية المعارضة" .. وبالطبع دون التعاون مع الحكومة السورية وكأنها غير موجودة .. أي أن داعش التي كان نصفها جبهة نصرة وجيشا حرا يوما ما سيحاربها الأمير أولاند بحقن المزيد من السلاح والمال والدعم للمسلحين السوريين في الجيش الحر والنصرة .. ولم يتعلم من التجربة السابقة أن المزيد من السلاح الى سورية سينتهي الى داعش والقاعدة وأن من يفوز في الصراع هو الفكر ذاته لأن هذه التنظيمات تحكمها قاعدة الأواني المستطرقة سواء بالفكر أو بالسلاح .. فسكب السلاح في جانب سيصل الى الجانب الآخر حتما سواء بالتهريب أو بالبيع أو بالاستيلاء أو بالانشقاق .. وأنه لولا الدعم اللامحدود "للثورة السورية وتنظيم الاخوان المسلمين" بالسلاح والخبرات والغطاء الاعلامي لما ظهرت جبهة النصرة .. ولما انتقلت مجموعات النصرة والاخوان المسلمين لتقوي من داعش التي لم تفعل أي شيء يقل عن وحشية الجيش الحر الذي استخدم السلاح الكيماوي في خان العسل وأعدم المئات من الأسرى في خان العسل تماما كما أعدم داعش الجنود العراقيين الأسرى وشباب عشيرة الشعيطات بنفس الهمجية .. ووصل السلاح والمال نفسه الذي تدفق من الغرب الى الجيش الحر والنصرة الى داعش والا كيف يمكن تفسير هذا التسلح الفائق لمجموعة داعش التي كانت تعتبر منبوذة ضعيفة منذ سنوات في العراق عندما بدأت باسم (الدولة الاسلامية في العراق)؟؟ .. كل هذه التنظيمات (الاخوان والنصرة والحر وداعش) تنطلق في منطلقاتها النظرية من فكرة التكفير واقامة دولة الخلافة الاسلامية بالقوة الجهادية .. وأعضاء هذه المنظمات وجدت حلم الخلافة أمامها في داعش الثرية بالمال والنفط والجنس والسبايا والجواري والاماء وقطع الأيدي والأرجل .. وسيحدث انجذاب نوعي نحو هذا البريق الاسلامي والوميض الذي يبهر أبصار الاسلاميين في العالم .. حكم الشريعة الموعود ..
عندما سمعت اقتراح الفهلوي غوار الطوشة الفرنسي ضحكت من الطريقة التي يحل فيها اولاند مشاكل السياسة وتذكرت مشهدا لاينسى لغوار الطوشة "السوري" قام فيه غوار بادارة احدى أزماته بنفس طريقة أولاند الطوشة الفرنسي .. ففي مسلسل حمام الهنا توصل غوار بعد منازلة شعرية حامية الوطيس الى أن يقنع منافسه مدير احدى الشركات بأن يعينه موظفا مسؤولا فيها .. فوافق المدير وقام بتعيين غوار مسؤولا فيها .. وكانت الشركة تريد استقبال وفد أجنبي زائر فكلفت غوار بالاشراف على الاستقبال والقيام بواجب الضيافة .. وهنا يمارس غوار مسؤولياته بشكل بيروقراطي اذ يقرر أن يقدم للضيوف وجبة كباب .. ولكن عبر مناقصة الكباب كي يكون كل شيء قانونيا ومنعا للفساد .. ويتقدم المناقصون بطلباتهم ويفوز بها سيء الحظ أبو صياح بعد شهر .. ولكن غوار يقرر عرض الكباب الفائز بالمناقصة على لجنة "تذوق" لاقرار صلاحيته للضيافة .. ولكن بعد اقرار صلاحية الكباب للضيوف وبسبب الروتين والبيروقراطية والتأخير يسافر الوفد الزائر دون أن يتناول الكباب !! .. ولذلك وجد غوار نفسه في ورطة بيروقراطية أخرى .. فالكباب صار ملك الشركة الآن ولايصح لأحد الاستيلاء على المال العام !! .. فيقرر شراء ثلاجة لحفظ الكباب .. وبما أن مقر الشركة لايتسع لثلاجة الا في الممر أمام مكتبه فانه يقرر شراء شقة .. لتوضع فيها الثلاجة .. التي فيها الكباب ..
وبالطبع تفلس الشركة بعد أشهر من تولي غوار مسؤولياته .. ويعود هو الى حمام أبو صياح مصطحبا معه مدير الشركة نفسه الذي عينه ليكون صبيا من صبيان الحمام .. يفرك ظهور الزبائن .. ويدلك جلدهم بكيس الحمام .. ويسكب الماء عليهم وينشفهم بالمناشف ..باشراف معلمه الجديد .. غوار ..
شركة فرانسوا أولاند للسياسة الفرنسية الخارجية تدار بنفس طريقة غوار .. اي ان الارهاب (وهو هنا الكباب) يقوم أولاند باجراء مناقصة بالظرف المختوم لمحاربته بمزيد من نشر السلاح والعنف في المنطقة .. ويشترط لذلك أن تتضمن المناقصة دعم المجموعات المسلحة السورية ضد داعش وعدم التعاون مع الحكومة السورية .. أي بدل ايقاف الدعم عن الفوضى في سورية وتجفيف بيئة العنف والسلاح والاقرار أن الثورة السورية هي الارهاب وهي جذر داعش وأن الدولة السورية هي الكفيلة بتدمير داعش وأن داعش مرتبطة بمشيمة تركية .. فانه يقرر قتل داعش بحقن وريدها الرئيسي (المتمثل بالمعارضين السوريين والنصرة) بالسلاح والمال والدعم اللوجستي وبمزيد من المتطوعين .. الذين على مبدأ الأواني المستطرقة سينتهون الى أنبوب داعش .. أي أن غوار الفرنسي اشترى الثلاجة وهو في طريقه لشراء الشقة .. والبناية .. والشارع .. من أجل كيلو كباب الارهاب ..
الغريب أن الدول الغربية تعمل بنفس منطق شركة غوار الطوشة .. وهي تريد صب الزيت على النار لأن ماقاله أوباما من أنه يريد محاربة داعش بزيادة توحيد "السنة" في سورية والعراق وزيادة التنسيق معهم هو بحد ذاته دعم لداعش .. لأن مشروع أوباما هو تحويل السنة في منطقة داعش أي في الأنبار والجزيرة السورية الى جمهور من لون واحد يذيب داعش في الهيولى السنية ولكنه منفصل عن محيطه تماما كما تريد داعش .. أي سيشتري الغرب ثلاجة للارهاب (للكباب) اسمها البيئة السنية ويضعها في شقة سنية في بناء الشرق الأوسط لحفظ الكباب الارهابي اسمهما الدولة السنية في العراق والشام .. الدولة السنية المزمعة ستفرض نفسها ككيان سني منفصل تتعهد فيه بقمع داعش وحفظها في الثلاجات الطائفية عبر ايجاد أول دويلة سنية في المنطقة رغم أن ما في بطنها هو داعش وفي عقلها داعش وفي قلبها داعش .. لكن جلدها اسلامي معتدل .. وهذا المشروع قد يجذب اليه اسلاميين صاروا منفصلين عن الدنيا كلها ولايرون في أنفسهم الا هوية سنية وطنية .. وانتماؤهم للمحيط الكردي والشيعي مثل انتماء الأكراد للعراق أو تركيا ..
هولاند هو من مؤشرات نهاية الحقبة الفرنسية في العالم .. تلك الحقبة لتي بدأت مع نهوض عصر المستعمرات وانهارت بدخول أدولف هتلر والجيش الالماني باريس .. وقد حافظ الديغوليون على مابقي من هيبة فرنسا الدولية ومن استقلال فرنسا حيث أن ديغول كان من اشد المعارضين للنفوذ الاميريكي في أوروبة رغم دورها العسكري في هزيمة الجيش الألماني الذي احتل فرنسا .. حتى جاء شيراك وخسر الرهان على معركة العراق فقرر بيع مابقي من استقلال فرنسا وارث ديغول للأميريكيين ودخل معهم في بازار رفيق الحريري والمحكمة الدولية .. أما هولاند فانه أكثر الرؤساء الفرنسيين ضآلة وضحالة والرجل حول فرنسا الى صبي حمام في (عالم كل مين ايدو الو) يفرك ظهر اوباما ويليّف به قفاه وينشفه بالمناشف ويصنع له الشاي بعد الحمام .. وقراءته للسياسة لاتختلف كثيرا عن قراءة غوار الطوشة للأحداث وطريقة ادارته للشركة ومناقصة الكباب .. فمناقصة "الارهاب" التي طرحها قرار مجلس الامن 2170 فهمها أولاند على طريقته وهو سيشتري ثلاجة مصنوعة من جسم المعارضة السورية لاحتواء الارهاب وسيشتري شقة للثلاجة .. اسمها الدويلة السنية في العراق والشام .. بدل الدولة الاسلامية في العراق والشام .. اي مثلما قال له المعلم أوباما ..
الطريقة الوحيدة لمحاربة الارهاب هي في الاعتراف أن مشروع الثورة السورية هو مشروع الارهاب الأكبر وهو حاضنته وقلبه ومعدته وأمعاؤه .. وأن تركيا هي رئتاه اللتان يتنفس بهما .. وأن الوهابية السعودية هي رأسه .. وأن الاخوان المسلمين هم لسانه وبصره وسمعه .. وأن علاجه الوحيد هو الاستمتع لدروس وليد المعلم ونصائح القيادة السورية والاطلاع على الأسرار الارهابية التي صادرتها وحفظتها في خزائنها ..
فرنسا جار عليها الزمن بحرمانها من الزعامات .. فالرحلة عبر الزمن من نابوليون الى هولاند لاتفسر الا على أنها هبوط في كل شيء فرنسي ..
أنا لاأدري أصول هذا الرجل الذي يقال ان اسمه الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند .. ولكن لزاما علي أن اشرح لم قلت في بداية المقال بأن أصوله أيطالية .. لكن يجب تذكر أنه بعد الثورة الفرنسية وانهيار القصور واختفاء ظاهرة النبلاء تبعثرت طواقم الخدمة التي كانت تخدم هؤلاء الملوك والنبلاء الذين كانوا مشهورين بأنهم لايأكلون الا الطعام من يد طهاة ايطاليين مهرة يسكنون قصورهم .. ولذلك فقد انتشر هؤلاء الخدم والطهاة في كل فرنسا وفتحوا مطاعم خاصة .. وصاروا فرنسيين .. ومنهم جاء أولاند .. طباخ الكباب .. الذي أضاف لرصيده في الطهي كوميدية وظرفا لاينكرهما أحد .. والايطاليون على العموم دمهم حار مثل الشرقيين ويضيفون لكل نشاط بشري نكهة من الحركة والحرارة والانفعال والدم الخفيف .. انه أولاند بن الطوشة ..
مع اعتذاري الشديد لأعظم كوميدي في العالم وأحب غوار على قلوب السوريين لهذا التشبيه الذي لن يحبه .. الأستاذ دريد لحام