حزب الله جيشٌ من الأشباح، فوق الأرض وتحتها

حزب الله جيشٌ من الأشباح، فوق الأرض وتحتها

تحليل وآراء

الأحد، ٣١ أغسطس ٢٠١٤

 قليلةٌ هي المرّات التي استطاعت أجهزة المخابرات الصهيونيّة والغربيّة أن تحقّق فيها خروقاتٍ في الجسم العسكري والأمني لحزب الله، وخلال 32 عامًا من المواجهة لم تستطع هذه الأجهزة إختراق البنية العسكرية والأمنية للمقاومة، كما لم تستطع أن تشكّل قاعدة معلوماتٍ دقيقة عن التشكيلات العسكرية أو منصّات إطلاق الصواريخ ولا حتى مخابئ العتاد والذخائر، إضافةً الى نقصٍ حادٍ في المعلومات عن هيكيلية القيادات حتى الصغيرة منها، ناهيك عن هيئة الأركان وغرف العمليات وشبكات الإتصالات والرصد وغيرها من المعلومات التي ما زال أغلبها يندرج ضمن إطارٍ سرّي للغاية.
مئات الدراسات وعشرات آلاف الصفحات لتقارير أعدّتها المخابرات الأميركية والصهيونية والأوروبية، لم تتطابق ولو بنسب ضئيلة مع الواقع وهو ما شكّل أساس قوّة المقاومة القائمة على التخفّي.

أساس إستراتيجية المقاومة تقوم على عاملين:
1- السريّة وتحقيق عامل المفاجأة، فلا أحد يعرف بالضبط أين وكيف ينتشر مقاتلو المقاومة وطبيعة وأنواع الأسلحة التي لم تُزّج بعد في القتال، والتي لن يعرفها أحد إلّا عند استخدامها.
2- المقاتل العقائدي الذي يتسلّح بالإيمان الراسخ بعدالة ما يقاتل من أجله، والتربية المرتكزة على البعدين الإنساني والأخلاقي.
مرّت المقاومة بأربع مراحل أساسية خلال مسارها الطويل وهي:
1- مرحلة النشأة والتي تميزّت في السنوات الأولى بالكثير من المتغيرات السريعة في اعتماد البنى التنظيمية، وكانت مرحلة الإعداد والتدريب والتجهيز والتسليح بما يتناسب مع طبيعة المهام الموكلة الى المقاومين الذين كان جزءٌ منهم يعمل بشكل خلايا سريّة في منطقة الشريط الحدودي الخاضع للإحتلال، وكان شكل العمليات في هذه المرحلة يتراوح بين عمليات الإستطلاع الدقيق وتنفيذ الكمائن وزرع العبوات الناسفة، فيما كان المقاومون في الخطوط الخلفية يعملون على إعداد نوعيةٍ مختلفة من المقاتلين عبر تدريبات غير تقليدية، وبناءً على فهم طبيعة تركيبة الجيش الصهيوني وإيلامه من خلال استهداف العنصر البشري للتأثير على معنوياته وهزم إرادته، هذه المرحلة تمّ فيها فرض انسحاب قسري على جيش العدو من بيروت ومناطق إقليم الخروب وشرق صيدا وأجزاء من إقليم التفاح وصولاً الى صيدا.
2- المرحلة الثانية وهي المرحلة التي بدأت فيها العمليات تأخذ شكلاً جديداً تضمّن العمليات الإستشهادية، وتطوير استهداف آليات العدو بأسلحة موجّهة واستخدام الهاونات والصواريخ التي بدأت تحقق عوامل الهلع والرعب في صفوف الجنود الصهاينة من خلال الإصابات المباشرة والدقيقة، وهي مرحلة استمرّت حتى العام 1996 حيث فرضت صواريخ المقاومة التي بدأت تشكّل بين العامين 1993 و1996 ضغطاً كبيراً على المستوطنين في مستوطنات شمالي فلسطين، تفاهم نيسان الذي حيّد المدنيين اللبنانيين مقابل تحييد المستوطنين، وأحقيّة المقاومة في استهداف جنود الإحتلال وحصر المواجهة العسكرية بين عناصر المقاومة وجيش العدو.
3- المرحلة الثالثة وهي المرحلة التي طوّرت فيها المقاومة أساليبها وأسلحتها لتتحوّل عملياتها الى الهجوم عبر الإستهداف المستمر للمواقع الصهيونية ومواقع العملاء بشكلٍ شبه يومي، والكثير من العمليات كان يستهدف الوصول الى المواقع وقتل جنود العدو وتدمير آلياته وتفجير المواقع والعودة بأقلّ عددٍ من الإصابات بين صفوف المقاومين، هذه المرحلة التي انتهت بانسحاب كامل جنود العدو والكثير من العملاء خارج الأراضي اللبنانية باستثناء مزارع شبعا وكفرشوبا التي لا تزال قوات العدو تتمركز فيها، هذا اليوم العظيم في 25 أيار 2000 شكَل نهاية حقبةٍ سوداء من الإحتلال الصهيوني، ونرى من الضروري الإشارة الى أنّ المقاومة وجمهورها بعد التحرير لم يتعاطوا بعقلية الثأر مع العملاء، وتركوا الأمر للقضاء اللبناني، وهو ما يؤكّد كسلوكٍ متحضر وأخلاقي التزام المقاومة وجمهورها القوانين اللبنانية وعدم الحلول محلّ الدولة وأجهزتها على عكس ما يروّج بعض أخصام المقاومة.
4- المرحلة الرابعة والتي استمرّت حتى بدء الجيش الصهيوني عدوانه بتاريخ 12 تموز 2006، وهي مرحلة تميّزت بالكثير من التحولات الكبيرة وتغيير وإرساء الكثير من المعادلات والتي لا يزال استخلاص العبر منها مستمرّاً حتى لحظة توقف إطلاق النار في غزة منذ أيام، والتي ستستفيد أيضاً المقاومة في لبنان من الكثير من تجاربها لتطوير تكتيكات واستراتيجية تتلاءم مع المستجدات، علماً بأنّ المرحلة الرابعة كانت مليئة بالمفاجآت التي غيّرت شكل الحرب وحقّقت في الصهاينة هزيمةً مدوّية، فالمقاومة خلال الفترة الفاصلة بين التحرير وعدوان تموز لم تذهب الى وقف نشاطها سواء في التدريب أو التسليح بل على العكس شكّل ما استخدمته من صواريخ وصلت الى مشارف تل أبيب مفاجأةً كبيرةً لجيش الكيان الصهيوني وقيادته السياسية التي اضطرّت بعد 33 يوم من الحرب الى التوقف عن عدوانها.

وأبرز ما طبع هذه المرحلة أنها لم تكن مجرّد معركة بقدر ما كانت نقطة تحوّل في إمكانية استمرار الكيان الصهيوني وبقائه، فنتائج هذه المعركة ألحقت الضرر البالغ في مسألتين مرتبطتين بعقيدة وجود الكيان واستمراره وهما:
1- الهجرة الى فلسطين وأمن المجتمع، وهما القاعدة الأولى التي تمّ توجيه ضربة قاسية لها تمثّلت في إجبار مليون ونصف المليون مستوطن على النزوح الى وسط فلسطين، وإلزام كل من وقع من المستوطنين تحت مرمى الصواريخ على البقاء فترات طويلة في الملاجئ وفي حالةٍ غير مسبوقة من الذعر والهلع.
2- ضرب قدرة الردع لدى جيش العدو وتحقيق خسائر كبيرة في أفراده وآلياته، ما جعله عاجزاً عن تأمين الحماية لجنوده ناهيك عن عدم قدرته على تأمين الحماية للمستوطنين.

في هذه المرحلة شهدنا صلابة مقاتلي المقاومة في معارك الإلتحام والصراع ضد الدبابات في أكثر من موقع مواجهة، كما برزت قدرة المقاومين على التعاطي مع الأرض من خلال الخندقة والأنفاق والتي كُشف النقاب عن بعضها وهي خنادق وانفاق للقتال ضمن البقعة وليس الخنادق والأنفاق الاستراتيجية المرتبطة بعمل الصواريخ والمستودعات وغرف العمليات، وهنا لا بدّ من الإشارة الى مسألة تدخل ضمن المقارنة، فإن كان باستطاعة المقاومة الفلسطينية في أرضٍ محاصرة أن تحقّق هذا المستوى من تقنية الأنفاق بإمكانياتٍ تعتمد على الحفر اليدوي والآلي الخفيف، فمن المؤكد أنّ المقاومة في لبنان التي تعمل ضمن مساحات واسعة وجغرافية معقّدة وخطوط إمداد مفتوحة قادرة على الحصول على تقنية حفر كبيرة وبإمكانها خلال سنوات أن تنجز الكثير في هذا الشأن، والبعض يذهب الى حدّ التخمين أنّ مدناً عسكرية قائمة تحت الأرض تمتد لعشرات الكيلومترات وترتبط ببعضها، وتحتوي كل ما يلزم من قدرات إدارة المعركة والإنتصار فيها من خلال جعل كلّ المعدات والأسلحة الإستراتيجية مخفيّة بشكلٍ كاملٍ الى حين حلول لحظة إدخالها في المعركة، والذي سيكون متدرّجاً أو كثيفاً وهذا مرتبطٌ بخطط المقاومة وضرورات الميدان، وما يؤكد هذا الإتجاه أنّ كل وسائط الإستطلاع المعادية لم تستطع منذ العام 2006 وحتى هذه اللحظة أن ترصد موقعاً واحداً للمقاومة مهما كان متدنّي القيمة، ففي معركة الدفاع من الطبيعي أن تعّد المقاومة ساحة القتال بما يتناسب مع تحقيق عاملي الحماية الذاتية للقدرات وتحقيق عامل المفاجأة في العدو.

المرحلة الحالية وهي التي سنتعرض لها ابتداءً من دخول المقاومة اللبنانية على خط المعركة في سورية، وهو ما يشكّل قلقاً كبيراً للصهاينة وللغرب وعلى رأسهم أميركا وهذا ما تمّ إعلانه على لسان الكثير من المسؤولين الصهاينة والأميركيين.
الكثير من التقارير تحدثت عن اكتساب المقاومة في معارك سورية من القصير وحتى هذه اللحظة خبرات كبيرة في إدارة وخوض المعركة الهجومية على مستوى حجم كتيبة ولواء، مع الإحتفاظ بخاصيّة المجموعات الصغيرة التي تندفع بمهمات خاصة ونوعية ضمن المعركة الشاملة أثناء تنفيذ عمليات الإقتحام في مختلف البيئات القتالية، سواء في الأرض المفتوحة أو في الجبال المعقّدة التضاريس أو في شوارع المدن.

من المؤكد أنّ أحداً لا يملك معلومات تفصيلية عن كيفية وضع الخطط والتكتيكات التي تستخدمها المقاومة في معاركها في سورية، ولكن الجميع يعلم أنّ قوات المقاومة كانت شريكاً فاعلاً لوحدات الجيش العربي السوري، وأنّ ضباط المقاومة أصبحوا يمتلكون خبرات كبيرة في العمل مع الدبابات والمدرعات والتقدم ضمن أنساق تحت ضربات المدفعية والصواريخ الصديقة وكذلك ضمن التنسيق مع الطيران والوحدات المجاورة، واستثمار المعلومات الإستخباراتية قبل خوض المعركة وأثناءها.

ما يقلق الصهاينة الكلام الذي صدر عن سماحة السيّد حسن نصرالله حول إمكانية إعطاء الأوامر لقوات المقاومة بتحرير الجليل، وهو أمرٌ ما كان ليصدر عن السيّد نصرالله لولا توفّر إمكانية تحقيقه، وهذا ما يطرح الكثير من التساؤلات لدى قيادة جيش العدو عن طبيعة قوات المقاومة وأسلحتها وإمكانياتها بهذا الصدد.

قبل الحرب في سورية وخلالها لم يستطع أحدٌ الإدعاء أنّ بمقدوره تحديد حجم قدرات وأسلحة حزب الله، وكل ما هو متاح من معلومات لا يتجاوز التوقعات والتخمين، وعليه ومهما كان شكل المعارك التي تخوضها المقاومة فسيبقى حزب الله جيش أشباحٍ يقاتل فوق الأرض وتحتها، ولا نسوق هذا الكلام في سياق الحرب النفسية بقدر ما تتملّكنا القناعة أنّ الأمر بالضبط كما فصّلناه.