فتنة المرحلة القادمة!.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

فتنة المرحلة القادمة!.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٥ أغسطس ٢٠١٤

الحقيقة لا تخشى البحث!..، ولكنها إما أن تكون مفرحة أو مؤلمة أو مرفوضة أو مخيفة!..، فالدور الأول منها سيفرح كل مؤمن مخلص، وعلى هوى هذا الإيمان يصح أن يصدق الهوى في حب الوطن، وسيرى صاحبه فيه مبعث فخره واعتزازه.. أما الذين تغيرت قبلة إيمانهم بحسب القلوب لا بحسب الوجوه!! فهؤلاء سيختارون في الهوى أطيافاً أخرى لها عناوين الهوى الأول ولكن مضمناتها إنما طبخت على أدراج أمزجتهم التي يأتمنون عليها مصالح أنفسهم وقد غوت في خانات الشح المطاع والهوى المتبع والإعجاب بالنفس، وهذه لعمرك هي الثلاث المهلكات!..، فمن لم تتحرر نفسه من شركيات الأنا والطمع والظلامية العصبية للقرابة أو المذهبية أو الطائفية، أو المداهنة لمن نرى أنّهم- في وهمنا- ينفعون أو يضرون.. يرفعون أو يخفضون.. يقطعون أو يصلون.. يُظهرون أو يخفون، فكيف يصلح هذا الذي اتخذ إلهه هواه وأضلّه الله على علم أن يكون أميناً مؤتمناً على أي موقع أو مقام أو مصلحة من مصالح الوطن أو البشر؟! إنّه لن يتردد وقد باع نفسه لهواه وأثرته أن يغيّر من هويته وقناعته وموقفه إذا جاءه من يدفع له أو يغريه ولو على عتبة الظن والوهم ما يراه أكثر دسماً وأضخم بيضة..، وهذا ما عرف وانكشف على فضاء الفتنة والأزمة التي ألمت بسورية زمناً لا تحسد عليه سواء الذين انزلقوا إلى خارجها أو الذين انزلقوا فيها وقد لبسوا عباءة الخداع لإخفاء طوايا الشح المطاع.. إنّ المرحلة القادمة المرجوة لسورية لن تستطيع أن تصلح فساد المرحلة السابقة عبر الأفكار والقوانين المعدلة أو المستجدة أو النصوص, لأن المشكلة لم تصنعها الأفكار الصحيحة المتوفرة- وهي لم تُفقد- ولا القوانين السديدة المحكمة الموجودة في مساقات الوطن العزيز ونظامه، ولا النصوص الربانية الكاملة التامة التي تحتفظ بقدسيتها وروح عزتها وطهارة تفعيلها, ولكن المشكلة إنما هي مشكلة ما علمنا ورأينا في أداء شخصيات وخلقيات ونفوس قد اصطبغت بألوان خاصة أضاءت أشياء من مصالح الوطن بألوانها ولو كانت باهتة أو تثير الأعصاب أو عفى عليها الزمن!.. والغريب المؤلم فيها أن ترفض أو تُعتم أو تشوّه ألواناً أجمل حضوراً وأعظم كفاءة وأصدق أداء قد تعطش الوطن إليها، وتأرق وهو يرجوها مع أنّها تجري على محيطه..
كالعيس في البيداء يقتلها الظما         والماء فوق ظهورها محمول
وإذا أردنا أن نعرف العقل المعقول العاقل الموفق المتحرر من عبودية الأثرة والشهوة والطمع والخوف من تغيّر المطعم والملبس والمقر الذي سَكِر من لذة المقام ولو كان خالياً من المزار فلننظر إلى حركة اختياراته وانتقاءاته، وإلى هوية مصداقيته في تقديم المُصلح على المُفسد، والأكفأ على المزيّف بل في تنحيه عن مكانه إذا تحقق أن في محيطه من هو أجدر منه وأنصح للوطن وللناس عن قدرة وزهد، وهو لن يكون ولن نراه إلا عند من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فالوطن كلّه همّ واحد وأمل مرجو وحضارة مطلوبة يتحقق تأكيد حضورها عندما يؤلفها النور والاعتصام في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (يد الله مع الجماعة أو على الجماعة) وعلى مبادئ قول الله تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض..)، وإن أي موقع تكليفي وطني يدير هذا الوطن بأمانة وكفاءة ومسؤولية إنما هو كموقع القلب من الجسد.. (ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)، وليس من المهم – على ضوء ذلك- تغيير حادث الخطأ والتقصير عن تعمد وعن وهن في الكفاءة فحسب، ولكن المهم في المصلحة العامة خصوصاً ولأجل تعزيز ثوابت هذه المصلحة واستمرارها، ولتسديد كل بناء فيها أن يحصّن هذا الوطن من اختراقات من يتربصون به الأذى والتفرقة والفساد, وبالمبادرة من غير تريث وتأجيل إلى تغيير أولئك المقصرين والمخطئين الذين تصدّروا عن غير منهجية منطقية غيرية مقتدرة تحكمها المصلحية الوطنية الموفقة والمتفوقة لا المصلحية الفردية الشخصية ومصادرها الانتهازية المعروفة، فما أعظم الحكمة التي تراود معادلات الأمر والنهي في مطلوباتهما التي أشرقت وأضاءت وأرشدت في حديث رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم!..، وما نهيتكم عه فاجتنبوه).