التركيبة الفكرية للإرهاب .. بقلم: هنادة الحصري

التركيبة الفكرية للإرهاب .. بقلم: هنادة الحصري

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٥ أغسطس ٢٠١٤

مما لا شك فيه أنّ ما تتعرض له مناطق كثيرة في العالم من إرهاب منظّم يدفعنا للوقوف والتأمل في هذه الظاهرة الخطرة التي احتلت الصدارة في واقعنا الإعلامي والسياسي، هذه الظاهرة التي باتت تهدد أمننا السياسي والسيكولوجي الذي كنا نُحسد عليه, فهذه العمليات التي تستهدف الإنسان والحياة لابد من دراستها للوقوف على الأسس الفكرية والدينية وإيديولوجياتها التي تتسلح بها هذه الجماعات الإرهابية, وهذا يدفعنا لولوج مصادر تكوّن العقيدة الاجتماعية لدى الإنسان والمجتمعات.
وإذا توقفنا عند أسس البنى الفكرية والدينية التي تغذي الإرهاب وتسوّغه نرى معرفية متردية في فهم الوجود المختلف للأشياء والحقائق, فهناك عدم التزام حقيقي بالحد الأدنى من الموضوعية أو الرؤية العلمية والمنطقية للأشياء, إضافة إلى إقحام الدين في تركيبة الإرهاب.
ولعلنا وبنظرة ثاقبة إلى تركيبة جميع الأديان السماوية نجدها تستند إلى حمل رسالة أو نقل خطاب عبر التشريعات الدينية أو الأحكام الفقهية والمنظومات الأخلاقية, وكلها تتساوى ولا تختلف عن بعضها البعض في أي شيء إلا في بعض الأوجه التي تتعلق بطبيعة الكتاب المنزل أو الجهات المخاطبة فيه, لكن مهما كانت الاختلافات ظاهرة للعيان أو معطية لكل دين هويته، فهي لا تلغي الحقائق الرئيسية التي تشكل نقاط الالتقاء.
 ولكن أن تشهد تعاطياً جديداً مع العالم والأشياء بمنطق رهيب، وهو منطق الخير أو الشر أو المؤمن والملحد أو أهل الدين وأهل الكفر فهذا يعتبر بحد ذاته تفريغاً لقيمة الذات أو بمعنى آخر تبريراً لمحو الإنسان من الوجود، فالناطق باسم الواجبات المقدسة يعتبر نفسه المسؤول عن حركية الدين عبر تأويلات وتفسيرات قاصرة توضح فهمه الخاطئ للخطاب الديني الذي يستند فيه على نصوص مقدسة, معتبراً نفسه ممثل الله على الأرض في تجسيده الخير والشر, وأن ما يفعله من خراب ودمار وقتل بحق الآخر هو تطبيق لواجبه المقدس في حماية الدين, وبهذا فهو يبحث عن سند يدفعه لتحقيق فكره الظلامي في التعامل مع الآخر, ملغياً ومكفراً كل ما لا يتوافق معه فكرياً وعقائدياً.
وببحث دقيق عن مكونات هوية الإرهاب فهو لا يؤمن قط بالاختلاف في وجهات النظر أو الاختلاف في تفسير الكون والطبيعة, فهو أحادي الرؤية للأشياء واصطفائي التفكير في العالم, وعدواني المنطق في تقييم الأمور, وعلى هذا فهو يفشل في إيجاد لغة أخرى لإثبات وجوده، فيلجأ إلى العمليات الإرهابية التي تستهدف أناساً أبرياء لا دخل لهم في أي صراع سياسي أو إيديولوجي أو عقائدي.
إن هذه الممارسات التي تمارس تحت غطاء الدين هي تسويغ وتبرير للاستيلاء على الحكم والسيطرة على الشعوب سيكولوجياً واجتماعياً وسياسياً بغية تحقيق مخطط أعد له سابقاً دون نظرة واسعة شاملة بأن الإرهاب بات مسألة معولمة ستنتشر في العالم كله, وهو بحاجة إلى التنظير والتفكير والتعرية للوقوف ضد ثقافة الموت وتهديد الأمن السياسي والإداري والسيكولوجي, الذي بات حلم كل مواطن.