... وانتهى الموسم

... وانتهى الموسم

تحليل وآراء

الخميس، ٣١ يوليو ٢٠١٤

صارت نهاية رمضان وعيد الفطر المبارك موسماً تلفزيونياً قائماً بذاته. هو موسم العجلة والفرحة والترقب. وهو أيضاً موسم التناقضات، مع تسارع الأنفاس، وفي الوقت ذاته التقاطها. وهو موسم طي صفحة يفترض أنها روحانية، ثم تحولت درامية، وتلونت هذا العام بلون الدماء.
كان يفترض أن ينشغل العرب في الأيام الأخيرة من الشهر الكريم وفي أيام العيد بملاحقة خواتيم المسلسلات التي ظلوا يتابعونها ويعايشون أحداثها ويتفاعلون وينفعلون مع أبطالها. لكن عنصر الإثارة وعامل السخونة رفضا أن يتركا العرب غنيمة للدراما وضحية لأفلام العيد، فألحقا بهم صواعق «داعش» وصواريخ «غزة» وسهام التناحرات.
وعلى رغم أن المسلسلات انتهت وكذلك الإعادات، وبرامج المقالب السخيفة لملمت أدواتها وحزمت حقائبها ولن تعود إلا في رمضان المقبل، إلا أن المشاهد مستنفر، الإثارة على أشدها والترقب في قمته. ويزيد من حجم التوتر أن موسم نهاية رمضان والعيد سيترك المشاهد نهباً للقلق من دون حلقة تمتص خوفه أو برنامج ينسيه توتره. ولعلها رحمة السماء تلك التي غمرت المشاهد بهذا الكم من الدراما وبرامج المقالب في شكل متوازٍ مع واقعه المؤلم والمخزي. فبين أخبار «داعش» التي تبدو فانتازيا لفرط عدم معقوليتها، ومتابعات توابع الربيع الذي يبدو شتاء من كثرة رياحه العاتية، وكاميرات «غزة الآن» لمتابعة القصف والقتل بينما يحدثان، تشبث المشاهد ببصيص أمل في البقاء ورغبة مداواة نفسه بالذي كان هو الداء.
إغراق العرب في «أوبرا الصابون» بديلاً من فنون من شأنها الارتقاء بالمواطن، وغمسهم في كواليس حياة الفنانين وأسرار تفسير الأحلام وتغييبهم عبر فقرات العلاج بالدجل، أسقطت المنطقة برمتها في أيادي «داعش»، ووضعها تحت رحمة «جيش الدفاع»، وتركها نهباً لصراع الطوائف وتناحر الملل. ونسي الجميع دعائم القوة وأسس التقدم وبدهيات التنمية. وتُرِك المشاهد المسكين نهباً لكيانات ضعيفة، منها ما سلم نفسه لقوى عالمية شريرة، ومنها ما أمن ذاته عبر اتفاقات إقليمية رخيصة، ومنها ما تظاهر بأن ليس في الإمكان أفضل مما كان، ومنها ما أيقن أن الضعف بلغ مداه والوهن أحرز قمته، ومن ثم ما على المنطقة إلا أن تسلم نفسها للمد المقبل، سواء كان أميركياً أو «داعشياً» أو تكفيرياً أو ما شابه.
وهنا كان لارتباط المشاهد العربي بأريكته التلفزيونية دور محوري وفضل لا ينكر في تمكين العرب من الاستمرار في ظل هذه الظروف ومتابعة شؤون حياتهم اليومية مسلمين أمرهم لأقدارهم ومكتفين بدور المفعول به على طول الخط. وما كان لهم أن يستمروا في مقاومة أفكار الانتحار المحرمة وشطحات الهجرة غير الشرعية وأحلام الخلاص اعتماداً على عدالة السماء وحدها من دون إغراق درامي متزايد وسفه برامج مقالب متفاقم. لقد انقضى موسم نهاية رمضان وحان موعد موسم تلفزيوني جديد.