نزيف غزة.. وطريق النصر الآتي

نزيف غزة.. وطريق النصر الآتي

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٨ يوليو ٢٠١٤

 بينما تتكثف الجهود الدبلوماسية والسياسية لدى أكثر من طرف، وفي عدة عواصم عربية وإقليمية، للتوصل إلى وقف إطلاق النار وبلورة تهدئة أو هدنة ما بين كيان الاحتلال وفصائل المقاومة في غزة، يتواصل نزف الدم الفلسطيني، وتتضاعف أعداد الشهداء والجرحى بشكل مرعب، ويستمر تدمير البيوت التي هدم منها، حتى الآن، أكثر من 3000 منزل بشكل كلي، وآلاف أخرى بشكل جزئي، دون أن يستطيع أي كان الجزم بنضوج حل ممكن ومتوافق عليه، من شأنه جسر الهوة الواسعة ما بين مطالب قوى المقاومة المحقة التي تصرَ على تضمينها أي اتفاق لوقف النار، وبضمانات واضحة ومحددة، وبين الحد الأدنى الذي تقبل به حكومة نتنياهو، والمصوغ إعلاميا بطريقة ملتبسة وحمَالة أوجه (إعادة الهدوء لفترة طويلة)، وذلك على الرغم من التسريبات والتصريحات والتحليلات التي يبدو أنها ما زالت تصب في خانة المناورات والضغوط وتسجيل النقاط في الحلبتين السياسية والإعلامية اللتين تشهدان صراعا شرسا لا يقل ضراوة عن معارك الميدان العسكري.
ما يجعل هذه الحرب العدوانية المتواصلة منذ نحو أسبوعين «استثنائية» فلسطينيا، وغير مسبوقة وفاصلة على صعيد النتائج التي يمكن أن تتمخض عنها، لا يتعلق فقط بالصمود الشعبي المذهل رغم المأساة اللاإنسانية، والإنجازات الميدانية للمقاومة ومفاجآتها العسكرية التي صعقت قوات العدو ومستوياته العسكرية والاستخباراتية والسياسية، إن كان على مستوى كمية ونوعية التسليح الذي استطاعت المقاومة مراكمته، ولاسيما الصواريخ التي استهدفت، وللمرة الأولى، معظم مدن ومستوطنات الكيان، وشلَت العديد من مرافقه الحيوية، أو على صعيد المواجهات المباشرة ذات الكفاءة العالية والشجاعة النادرة من قبل المقاومين، وإنما أيضاً لأنها استطاعت، وعلى رغم التعثر في البداية، اجتذاب كل الفلسطينيين إلى مربع الوحدة الوطنية، وتوحيدهم، وإن بنسب متفاوتة، خلف المطالب المحقة والمتواضعة التي رفعها المقاومون: رفع الحصار المفروض على القطاع؛ فتح المعابر؛ إعادة إحياء ميناء غزة؛ توسيع منطقة الصيد لتصبح 12 ميلاً، وإطلاق سراح الأسرى المحررين بصفقة شاليط، والدفعة الرابعة التي تم الاتفاق عليها بين السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال.
وعلى رغم أنه لم يبذل أي جهد عربي حقيقي، ليس فقط حيال تبني المطالب الفلسطينية، وإنما لوقف العدوان والمجازر الصهيونية، لا بل إن معظم الجهود الدبلوماسية والاتصالات واللقاءات تصب في مجرى منح إسرائيل حق مواصلة العدوان، وارتكاب اعتداءات متى قررت ذلك، إلا أن موازين القوة والرعب الذي فرضته المقاومة في الميدان سيساهم، وتداعياته التي بدأت بالامتداد إلى ساحات السياسة والاقتصاد ومعظم مفاصل الحياة في التجمع الصهيوني الذي يجد نفسه عالقا في نفق مظلم يصعب الخروج منه، سيساهم في تغيير اتجاهات البوصلة الدبلوماسية العربية والإقليمية والدولية التي يحاول وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري تثبيتها على إيقاع المصالح الإسرائيلية المباشرة والبعيدة، ومصالح إمبراطوريته التي تترنح زعامتها للعالم، وتتشظَى غطرستها في سورية والعراق.. وغزة.
وبعيداً عن الخوض في تفاصيل الحراك السياسي والدبلوماسي والضغوط الهائلة التي تمارس على الفلسطينيين، فإن ما ينبغي التركيز عليه، هو أن عدد الشهداء والجرحى ومستوى الدمار الهائل في غزة، يشكلان عاملي ضغط هائل على أي قيادة يمكن أن تفكر في التنازل عن أي من المطالب المحقة والمشروعة لأبناء غزة وفلسطين، وأن مستوى الدعم والتأييد الذي تقدمه قوى المقاومة والصمود في المنطقة لأبناء غزة، ومنسوب التضامن الشعبي الذي يرتفع باستمرار على مستوى العالم كله، سيشكلان روافد قوية للانتقال إلى مستوى آخر من الصراع، في المستقبل القريب، تكون فيه الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة هي المادة الأساسية الموضوعة على طاولة البحث والنقاش الإقليمي والدولي.