القدس موعدنا .....بعد إنتصار غزة

القدس موعدنا .....بعد إنتصار غزة

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٨ يوليو ٢٠١٤

إسرائيل التي تتفرد بقتل غزة وتتفنن بحصارها وترتكب أبشع الجرائم الإنسانية، وتنتزع أرواح المدنيين في القطاع بدون رحمة، وفوق كل ذلك تلقى الدعم والمباركة لكل جرائمها، ليس فقط أممياً بل عربياً، واليوم هي المرة الأولى في تاريخ حروبها المتّوجة بالإنتصارات تجد نفسها مشلولة بذات الحصار الذي تطوق به الآخرين، فإسرائيل أمام منعطف إستراتيجي لن تسعفها كل بشاعة القتل والدمار التي تمارسها أن تخفي إخفاقها في الخروج من مأزق غزة، وإرباكاتها التكتيكية أمام حركات المقاومة التي أصبحت مؤشرات معالمها واضحة للجميع.
العدوان على غزّة اليوم من قبل إسرائيل, أتى توقيته المدروس في ظل التمدد الواسع لداعش والمجموعات الإرهابية المسلّحة المدعومة إسرائيلياً وأميركيا التي تقوم على ضرب وتفتيت وتقسيم الدولتين السورية والعراقية والقضاء على جيوشهما، والتي تهدف إلى كسر يد المقاومة الفلسطينية، وإبادة الشعب الفلسطيني وتقويض الوفاق الوطني، فالذي يحدث في غزة، ليس حلقة من حلقات الصراع مع الإحتلال فحسب، لكنه أيضاً معركة فاصلة بين مسار المقاومة ومسار التسوية والإستسلام، فبعد أن راهن فيها الكثير على سقوط محور المقاومة، ثبت أن مكونات هذا المحور خرجت أقوى مما كانت عليه، إذ فشلت القيادة العسكرية الإسرائيلية من منع الصورايخ السورية والإيرانية الصنع من السقوط داخل المستوطنات، ناقلة رعب المعركة الى عمق الجبهة الداخلية التي لطالما تغنى القادة الصهاينة بكونها بمنأى عن الإستهداف، وبإمتحان فلسطين الآن نجحوا في البرهنة -كالعادة- أن فلسطين هي قلب وقبلة المقاومة، إذ أعادوا بعد عقود من الذل والإنكسار البوصلة إلى مكانها، بعد التآمر من أبناء جلدتنا، المتاجرين بفلسطين، الذين ما فتئوا يلهثون وراء فُتات العدو الصهيوني في مفاوضات عبثية إستمرت لعقود، دون أن تحقق للشعب الفلسطيني وللأمة بأسرها سوى الخراب والدمار، ومزيد من الإستسلام والذل، وبفضل صمودهم إنكسرت شوكة العدو فحساباته اليوم قد خسرت، وقبته الحديدية التي كان يتباهى بها عجزت عن صد صواريخ المقاومة.
فما نراه اليوم من إنجازات يمثل ثمرات لما غرسته أيادي الشهيد أحمد ياسين والشهيد فتحي الشقاقي وإبراهيم المقادمة وعبد العزيز الرنتيسي وغيرهم كثر، ولم يعد تحرير القدس وفلسطين مستحيلاً، بعد أن قدمت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بسالة منقطعة النظير أمام العدوان والغطرسة الصهيونية، إذ أصبحت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، محض خرافة وتسويق إعلامي، لتتجلى الحقيقة واضحة في حرب غزة، وإنتصار المقاومة في منع تقدم الصهاينة الذين لجأوا إلى طلب هدنة من أجل سلامة المستوطنين، هذا الأداء البطولي للمقاومة أمام دولة مدعومة من طرف الغرب يعطي إنطباعاً أن الفكر الإنهزامي وعقدة الضعف تلاشت وأصبح بإمكاننا تحرير القدس وفلسطين من قبضة الصهاينة.
فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا بقوة هو، هل ستُمهد معركة غزة لتغيير كامل في ميزان القوى مع إسرائيل، ومنه بداية لنهاية عصر مهين عاشه العرب منذ عقود طويلة ؟ وهل ستجبر المجتمع الدولي الفاعل على أن يفكر بجدية تامة لإيجاد حلول عادلة لقضية فلسطين على إعتبار أن الحل قد أصبح ضروري، ليس من أجل فلسطين وأهلها ولكن خوفاً على "شعب إسرائيل" من التفكك والتفكير تدريجياً، تحت سلطة الخوف والرعب، بالهجرة المعاكسة؟ هنا لا بد من القول إن الأمر أصبح مرجحاً الآن، فمن إمتلك اليوم القدرة الواضحة على إرباك العدو وتحطيم معنوياته وإجباره لأن يبحث عن أي منفذ للعبور إلى التهدئة، سيستطيع بكل تأكيد مستقبلاً أن يطور قدراته ويستخلص من كل خبراته المتراكمة ما يمكنه من إحداث تغيير نوعي في الميزان وإجبار العالم أن يفكر من منطلق جديد للبحث عن طاولة مفاوضات جادة بين طرفين متكافئين، إذاً غزة ستوفر المنعطف المرجو لإخراج الأمة من مأزق الذل والهوان من خلال البدء بصيانة معنوياتها المتآكلة وفتح أفق جديد أمامها، وبالتالي نحن الآن أمام تحدي كبير يتطلب التغيير في الإستراتيجيات والأدوات لأنه لم يعد بالإمكان بالطريقة القديمة أن نصل إلى نتائج ملموسة، فإسرائيل لن تقبل العملية السياسية وكل المبادرات التي تبذل من هنا وهناك للوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، فالخيار الأفضل حالياً للتعامل مع الإحتلال هو العودة إلى الكفاح والمقاومة بكل أشكالهما، وكسر حال الصمت لمواجهة العملية الإستيطانية والتهويد المستمر للقدس.

وفي إطار ذلك إن هذه الحرب ليست آخر الحروب، وليست الحرب التي تجلب بمفردها النصر والأرض المسلوبة، لكنها طريق الكفاح المؤدي إلى الهدف المنشود، وبفضل الإنجاز العسكري الذي تحرزه المقاومة كل يوم على الأرض بدأت تلوح في الأفق معالم فجر جديد في مسار قضية أمة بأكملها، فشروط المقاومة اليوم قد تغيرت وإرتفع سقفها، وباتت في الصدارة، ومبادرات الخنوع والإستسلام لم يعد لها بين محور المقاومة، والكلمة الفصل والقرار اليوم لم يعد لأحد سوى للأبطال في الميدان، فهم باتو الأمل الوحيد للأمة المكلومة في رسم خارطة طريق جديدة لفلسطين وللأمة بأسرها.
أختم مقالتي بالقول إن غزة هي الحصن المنيع بوجه الكيان العبري وبوجه إجرامه، فلقد أظهرت جدارتها في مقاومة عدو يدوس على الكرامة الإنسانية، لذلك فإن المنطقة اليوم تدخل في مرحلة جديدة سيكون عنوانها التغيير، وسيتمخض عن المعركة الدائرة مع العدو ولادة شعب عربي متحرر من خوف الأعداء، وسينتج عنها إستعادة المحور المقاوم لدوره، وتعزيز ثقافة المقاومة بين شعوب المنطقة، المستندة إلى برنامج وطني نضالي واحد هدفه تحرير الوطن الفلسطيني والأراضي المحتلة، وفي إطار ذلك ومهما حاولوا أعداء الأمة تغّيب القضية الفلسطينية عن الشعوب العربية فإنها لن تغيب وستبقى القدس وقود الثورات العربية وستبقى في قلوب كل السوريين ولن تغيب عن أذهانهم وستبقى حافزاً لتحركاتهم وثوراتهم.