كلّما تآمروا على المقاومة انتصرت

كلّما تآمروا على المقاومة انتصرت

تحليل وآراء

الأحد، ٢٧ يوليو ٢٠١٤

 لم يُخف بعض العرب والإسرائيليين يوماً علاقاتهم "السرية"، ولكن العدوان الأخير على غزة أتاح لهم أن يعبّروا عن مكنوناتهم بأريحيّة. وفيما عامل عرب الاعتدال الإخوان المسلمين كوحوش، لم يخجلوا من الشماتة بحركة حماس ودعوة جيش الاحتلال إلى تصفيتها. وتباعاً، راحت تنكشف الخطط والاتصالات العربية الصهيونية التي تدعو إلى سحق غزة، أهلها ومقاومتها، في سبيل العمل على إعادة إحياء ما يسمى مبادرة السلام العربية.
لم يعد غريباً ولا حتى مداناً، بمفهوم بعض العرب الموجهين فكرياً، أن تقف إلى صف المعتدي الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني. وذلك ربما انتقاماً من موقف حماس السياسي، التي ربما أساءت التقدير عندما ارتبطت بالإخوان بشكل وثيق لدى توليهم زمام السلطة. ولمّا كانت مصر هي السبّاقة إلى نصر فلسطين وخاصة أهل غزة، فهي اليوم وُضعت رأس حربة في مشروع نزع سلاح غزة.
أما ما يسمى عرب الاعتدال، فلطالما عبّروا عن امتعاضهم من حركات المقاومة في لبنان وفلسطين. وهم لطالما لمحوا إلى ضرورة إنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي، ووصفوا أعمال المقاومة بالمغامرات غير المحسوبة أحياناً وغير المسؤولة أحياناً أخرى.
ومن لم يخجل يوماً من لقاء مسؤولين إسرائيليين في المحافل الدولية وغيرها، لم يكن يخضع لبروتوكولات أو سواها. بل إن ما خفي كان أعظم، ولكنه الآن ينجلي أمام العيان. ومن يقول إن الخطر هو من الفارسي المجوسي وليس من الكيان الصهيوني، لن يحرجه أي تصريح كالذي ذكره المتحدثباسمالخارجيةالإسرائيلية في مقابلة متلفزة. وهو قال إنّ "مسؤولين عرب يتحدثون معنا خلف الكواليس بلغة مختلفة عن المعلن". وحسب المتحدث، فإنّ جميع دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة تطالب بنزع سلاح حماس، كاشفاً أنّ حكومات عربية تجري اتصالات غير معلنة مع "إسرائيل" تتضمّن مواقف مغايرة لما يقال علناً.
قد يقول أحدهم إنّ المسؤولين الإسرائيليين يعملون على بث التفرقة في الصف العربي، عبر الادعاء بأن هناك من العرب من يتعاون معهم. ولكن الوقائع والأحداث والتسريبات وحتى سلوك الحكومات العربية، كلها تشير إلى صحة ما يقوله الإسرائيلي. ففي بعض الدول بات لزاماً أن تشتم حماس حتى تكون وطنياً. وفي دول أخرى، فإنّ مجرد التظاهر للتنديد بالعدوان على غزة ممنوع. وكأنّ الدعاء يكفي! وفي السياق، قال ﻣﺪﻳﺮ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟحرب ﺍﻹﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻴﺔ، ﻋﺎﻣﻮﺱ ﺟﻠﻌﺎﺩ، مؤخراً ﺇﻥّ "ﺗﻌﺎﻭﻥ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﺍﻷﻣﻨﻲ ﻣﻊ ﻣﺼﺮ ﻭﺩﻭﻝ ﺍﻟﺨﻠﻴﺞ ﻫﻮ ﻓﺮﻳﺪ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻪ، ﻭﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺃﻓﻀﻞ ﻓﺘﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻦ ﻭﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ". وفي تسريبات أخرى، ذُكر أنّ الحرب على غزة جاءت بمباركة عربية وأميركية. ويبدو أن التحالف الذي شن العدوان على لبنان والمقاومة في تموز 2006، يتكرر اليوم بظروف مختلفة وبمواقف أوقح على غزة وأهلها.
أما محور الاخوان المسلمين فلم يكن أرحم مع القضية الفلسطينية، وهذه تركيا التي نصّبت نفسها قائداً ملهماً لهم، باتت أول من يعلن استئناف الرحلات الجوية إلى مطار بن غوريون. حيث أعلنت هيئة الطيران المدني التركية أنّ أنقرة رفعت حظر الطيران إلى مطار بن غوريون في تل أبيب،بعد الاتفاق على هدنة إنسانية لمدة 12 ساعة بين الصهاينة والفلسطينيين. وفيما سبق، كانت الصحف التركية قد كشفت عن تعاون تركي – إسرائيلي في مجال النفط. هذا التعاون يبدو أنه لا يقتصر على بيع النفط الكردي عبر الوسيط التركي للكيان الصهيوني، بل يظهر أن تركيا ستتولى فيما بعد أمور تصريف النفط الذي سيطرت عليه "داعش".
يبقى أن المقاومة في غزة وقفت وحيدة هذه المرة، ولم ينتصر لها سراً وعلانية إلا من حالفها ودعمها عندما تخلى الجميع عنها. فلا التحالفات السياسية أثمرت حلولاً، ولا حتى تعاطفاً إنسانياً على الأقل. والحرب على غزة هذه المرة طالت. "إسرائيل" تريد إيقافها، فيما يحرضها بعض العرب والدول على الاستمرار. وذلك لهدفٍ لم يعد خفياً، وهو نزع سلاح المقاومة والدخول في دوامة المفاوضات. ولكن الميدان أظهر ثبات المقاومة الفلسطينية وتوحدها في مواجهة العدو على الرغم من الانقسامات السياسية. وفيما ترتفع كلفة التضحيات من ألف شهيد إلى آلاف الجرحى، لا تجد المقاومة إلا الاستمرار في دكّ الأراضي المحتلة وإرعاب الأعداء، حتى يتم إفشال عدوانه ومخططات العرب الخانعة. لعل تموز غزة 2014 قد يشكل امتداداً لتموز لبنان 2006، وماذا بعد الانتصارين؟