ذكورة.. بقلم: شادي العمر

ذكورة.. بقلم: شادي العمر

تحليل وآراء

الأحد، ٢٧ يوليو ٢٠١٤

هذه اللوحة واحدة من اللوحات التي لم تسمَّ حتى الآن، كما أنها لم تُعرض أيضاً، بل التقطت لها الصورة وهي لم تغادر خشب مرسم العمل بعد. وكنت قد شاهدت اللوحة مرتين متباعدتين نسبياً وهي في طور الإنجاز والشغل. وهذا أمر لا يُسر به صاحبها كثيراً، إذ يبقى قلقاً من أن يشاهد الآخرون لوحاته التي لم تكتمل، وحريصاً على أن لا يدخل مرسمه "السري" أحد إذا ما كانت اللوحة في طور التكوين، ولكن لهذا الحرص استثناء، شريطة أن تشاهد الجنين غير مكتمل النمو دون أن تعلق عليه بأي فكرة، أو توحي بأي تصور عما يمكن أن يكون عليه حين يكتمل.
يعترف جوني سمعان صاحب اللوحة (الصورة) بأنه لا يعير تسمية لوحاته أي اهتمام، حتى عندما تطالبه إدارات المعارض التي قدم فيها أعماله بمفرده أو بالمشاركة، أن يسمي اللوحات التي ستعرض له، فكان يلجأ إلى أصدقائه المقربين ليمنحوا التسميات لرسوماته، وهذا ما جعل بعض الأسماء طريفة أحياناً أو غريبة، قد تتكون من كلمة واحدة، وقد تكون طويلة أحياناً أخرى تكاد تملأ سطراً كاملاً. وفي حالات أخرى قد تعبر الأسماء عن اللوحات التي تسميها بشكل واضح ومباشر جداً، أو قد تكون أسماء غامضة ترتبط بمشاعر من أطلقها أكثر من ارتباطها بمضمون اللوحة.
ربما يفسَر حرص سمعان على لوحاته وهي في طور التكون اعتقاده أن الحدس الفني يولد دفعة واحدة حاملاً داخله فكرة اللوحة، ولكن النشاط الفني الذي سيترجم هذا الحدس، سيأخذ وقتاً طويلاً حتى ينجز المادة التي تتكون من أشكال وألوان. لذلك يحاول جوني طيلة وقت العمل أن يحافظ على نقاء الفكرة ونقلها على القماش بأمانة كما وُلدت.
يروق لي أن أسمي لوحة جوني هذه "ذكورة"، حتى لو لم يطلب مني تسميتها، وقد لا يعجبه ذلك. يجسد الذكور في هذه اللوحة أسوأ ما في عالم الذكور من صفات، وهو عالم غائم وقبيح، استطاع جوني أن يصور قبحه بطريقة جميلة!! فاللوحة ليست قبيحة.. ولكن مضمونها القبح. وفي الفن.. حتى التعبير عن القبح ينبغي أن يكون جميلاً، فالفن أصلاً هو عالم ما ينبغي وما يجب، وأداة إعادة إنتاج الوجود بأجمل شكل ممكن.
والعالم الذكوري الذي تصنعه لوحة جوني بعيداً عن حضور المرأة هو عالم ضيق، رغم رحابة المدى واتساعه نحو الأعلى، لكن "الذكور" لا يشغلون سوى الجزء الأضيق السفلي من اللوحة، وما الفراغ الواسع فوق رؤوسهم سوى فراغ فارغ، غامض ومكفهر وقلق، لا يفعل شيئاً أكثر من المزيد من التضييق على العالم الذكوري الممتد في مستوى واحد من طرف اللوحة في نصفها الأول إلى طرفها الأبعد في النصف الثاني.
الذكور في اللوحة وحيدون وعدوانيون، ثلاثة منهم يجلسون مع بعضهم في طرف اللوحة، ولكن كل واحد بمفرده، أما الآخرون فالتواصل لدى معظمهم هو في العنف والاعتداء، وحتى الاتفاق لدى بعضهم يكون اتفاقاً لأجل العنف. وليس ثمة داع  لكي ننظّر حول أن الغالب في نهج الاعتداء في العالم كله هو النهج الذكوري، فالذكر الذي نُسب عنصره في الأساطير إلى المريخ (أو مارس) هو الذي يتحمل نتائج ما يحصل على الأرض من دمار وخراب سابقاً وحاضراً، وربما مستقبلاً، ولا ندري ألهذا نسب إله الحرب إلى كوكب مارس (المريخ)، أم أن الحرب وإلهها نُسبا إلى كوكب الذكورة، مقابل فينوس - أو الزهرة، وهو كوكب الأنوثة (أو النسوية) والجمال والرقة والخصب! ومن ثم فهل ظلمت الثقافة المعاصرة الذكورة حين أعطت الأنوثة مزايا اللاعنف والسلم والرفق؟

السيرة المختصرة:
جوني سمعان من مواليد اللاذقية 1983 حاصل على إجازة في الفنون الجميلة - قسم تصوير - جامعة دمشق.
محاضر في كليتي الفنون والعمارة في جامعة تشرين - اللاذقية.
1.    معرض فردي بعنوان "الصعود" في مقهى "قصيدة نثر" الثقافي في اللاذقية ضمن مهرجان "في رحاب البحر المتوسط" 2008
2.    معرض جماعي بصالة السيد في دمشق 2008
3.    "بدايات" معرض جماعي في دمشق 2008
4.    ورشة عمل "الزبال" ومعرض جماعي في مقهى "قصيدة نثر" الثقافي، اللاذقية 2010
5.    معرض (مشهد ناقص) في غالوري جوانا سيقلي بيروت 2014 
6.    مجموعة معارض تحت سلسلة (سنتيمترات ملونة) 2014

 
مقاس لوحة "ذكورة" : 120X80X2