عبقرية التخريب والعدوان.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

عبقرية التخريب والعدوان.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٣ يوليو ٢٠١٤

العصر الحديث الذي نشهده ونشارك فيه هو المرحلة الزمنية الوحيدة الذي استطاع العرب والمسلمون على المستوى الدولي العام أن يحققوا فيها أمثلة خارقة للعادة في بطولات الأذى وفي إهانة قيم الاحترام وفي تقديم أمثلة عملية واضحة للخيانة والنفاق والأحقاد مع انتهاض مبادرات الكراهية والتشفي بين إخوة العروبة والإسلام ولو كان ذلك باستعجال الاستعانة أو تسليم الزمام لإسرائيل وأميركا وبريطانيا وفرنسا ومن لفّ لفّهم لخفر الذمة بين الأخ وأخيه ولصياغة أية استطاعة ليكيد كل منهم للآخر كيداً!.. لست متشائماً، وما ينبغي لنا التشاؤم، فهذا الواقع هو الناطق الحي لما وصلنا إليه، ثم إن التشاؤم في مثل هذه الحالات أن نقول: إن الأمة لا خير فيها، وهذا ما لم نقله ولن نقوله، ولكن الصورة المفترقة إنما هي صورة شعوب الأمة العربية والإسلامية البريئة بالمنظور العام وصورة حكامها الذين لم يتورعوا هذه الأيام كما تورعوا بالأمس القريب عن المجاهرة بالصداقة مع إسرائيل وأميركا ومع دول في نفس منعرجاتها حتى صرنا نسمع جهاراً من يفتي بإنكار معاداة إسرائيل المغتصِبة بيت الفتنة والشيطان والفساد وسط جغرافيات العروبة والإسلام، ثم إن هذا ما كشفته الأزمة والفتنة التي طبخت وصنعت لسورية خصوصاً، وهي البلد الوحيد الحر عن التبعية لدول العدوان والاستكبار، والوحيد أيضاً في الوقوف عند الجادة الصحيحة للحق مقابل جادة الباطل، وقد سوقوا لهذه الفتنة الزلزالية بمبررات فيها من إنتانات التفرقة الطائفية والمذهبية ما بين سنة وشيعة وعلوية ودرزية ومسيحية وإسماعيلية وغير ذلك كله، فجهدوا بكل ثمن وبمليارات الدولارات التي أنفقت لصناعة الشقاق فيما بينها عبر أقذع ألحان النفاق والخيانات وشراء النفوس والضمائر ثم ماذا كان؟! لقد استعصى هذا التفريق والشقاق بين الملل والفرق والطوائف في سورية لأن تربة سورية وهواء سورية وطبيعة النفس السورية الشريفة لا تستطيع مساغ هذه السخائم، فهناك قرون مضت قد وطدت لحمة الوطنية السورية والنفسية الشامية، وأي خلاف طائفي جرى سابقاً أو لاحقاً فيلاحظ أنه غريب على الطبيعة السورية وأن يداً خارجية حرصت على تأجيجه ثم لا يلبث أن ينطفئ وتعود النفوس من غير أي حقد إلى تصافيها، وأظن أن مثل هذه الطائفيات لو وضع مثلها في بلد آخر لتكسر بنيان ذلك البلد في أقل زمن..، فمن أين جاءت إذن فرق المجموعات الإرهابية المسلحة وزوّدت بكل فتك وسلاح تدمير وإبادة؟ ثم من الذي يصنع لتلك المجموعات هذه الأسماء والعناوين التي تجاوزت أكثر من ثلاثين عنواناً ذات طلاء إسلامي مزور أو ذات برامج قد غضب التاريخ العربي والإسلامي من استعمال أدواته فيها عبر أقنعة وأسماء أشخاص وعبر إفتاءات شريرة تعتبر هي وما يبث من صرعات عبر الفضائيات المعارضة العدوانية تنكشف منها وجوه مشيخية عاقة معروفة أو وجوه مقاربة لها لا تخفي إملاءات مأجورة عليها قد غرر بها أو قد استحوذ عليها الشيطان طمعاً بمناصب موعودة أو بدولارات مجموعة؛ كل ذلك قد برئت منه ذمة الإسلام ويبرأ منه حقاً الدين الحق الصحيح الممثل في عصمة الكتاب القرآن والسنة المطهرة ثم لتسمع من قريب أن السعودية بلد الحرمين الشريفين قد رصدت للفتنة في سورية ثم ما حولها أكثر من مئة وخمسة وعشرين مليار دولار!..، ولنتصور لو أن هذا المبلغ أنفق في خير سورية والدول الناهضة فماذا سيكون الحال؟!
سيأتي عصر قريب تثور فيه الشعوب الحرة في الدول الخائنة والمتآمرة على سورية وسيطول الزمن الإعلامي الذي سيفضح أمراء وملوكاً وزعماء ومشيخيات وغيرها خانت عهد الله ورسوله في: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) وقد قلبوها إلى (فأفسدوا بين أخويكم)، فماذا تعني إذن هذه التخريبيات للحرث والنسل في سورية وغيرها، وكذلك هدم المساجد والكنائس والاعتداء والإجرام والخطف وقطع الرؤوس و... لرجال الدين من الفريقين؟ ثم ماذا يعني هدم الأضرحة الغارقة في أمان التاريخ والزمن لصحابة أجلاء ولآل بيت أطهار ولأولياء وعلماء يبثون عبر مقاماتهم في تلك الأضرحة إيحاءات التصحيح والنهوض نحو البركات والتسامح والالتجاء إلى القرب من الله تعالى؟!، فافتروا على الزائرين ونعتوهم ظلماً وعدواناً بالمشركين وبغيرها، فهل هذه التفجيرات المروّعة التي نسفت المقامات المباركة والأضرحة الطاهرة مثل ما نسفت مرافق عامة وخاصة في مواضع أخرى ودمرت المنازل على الأبرياء وشنّعت في التخريب والعدوان بطرق غريبة وشاذة على غير مثال في عهود أمثلة التخريب والعدوان إلا مشاريع تنفيذ أوامر لعرب ومتأسلمين معروفين في الأمة والعالم؟! وهل هذا كله إلا عهد بإرضاء إسرائيل وأميركا وغيرهما، وأن من العرب من أشركوا بهما وألحدوا بكل حقائق القرآن والسنة لمصلحة ذلك الاستكبار؟
فهل رأينا إذن خيانة في التاريخ العربي والإسلامي أشد ترويعاً وشناعة من خيانات العرب والمسلمين اليوم؟ وبما كشفته الهوية السورية الأصيلة التي صدعت رؤوس أولئك المتآمرين والخونة؟! لعله صدق فيما سبق رئيس وزراء بريطانيا السابق والأشهر السير (ونستون تشرشل) عندما سئل عن تجاربه وخبرته عن الدول التي عايشها وتعاطى معها وماذا ثبت لديه في المنظور السياسي حولها  فقال: (إذا مات الإنكليز تموت السياسة وإذا مات الروس يموت السلام وإذا مات الأميركان يموت الغنى وإذا مات الطليان يموت الإيمان وإذا مات الفرنسيون يموت الذوق وإذا مات الألمان تموت القوة، وإذا مات العرب تموت.. الخيانة)!!