أما آنَ أنْ نعود إلى رشد أمتنا؟!.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

أما آنَ أنْ نعود إلى رشد أمتنا؟!.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٣ أبريل ٢٠١٤

الحقيقة ضائعة أو مغيّبة!!، فإن وجدت فإن بينها وبين العمل بها عن جد وإخلاص فجوات واسعة!، فإن ما نعلمه من الحقيقة لا ننفذه أو ننفذه ضئيلاً من غير أن نحصِّنه، أو ننفذه وفق هوى في مصلحة مع أنفسنا خاصة أو مع من نخشاه أو نرجو مأرباً نفعياً منه، وربما نعلم كثيراً ولكننا نعجز كثيراً فلا ننهض عن علو همة وعن غيرية خيرية لنكون في هموم الناس والمجتمع والوطن عامة ثم لنقتنع من بعد بأن تحقيق وجودنا وكرامتنا وطمأنينة حياتنا إنما يكون بمقدار مصلحة الآخرين، وبمقدار حب العطاء إليهم والاهتمام بإصلاحهم وبنائهم، وتأليف الود والتراحم فيما بينهم، فهذا القَدَر من الغيرية هو أصدق دعوة تُصنع بها الأمم الراشدة وتتعاضد بها شؤونهم ومصالحهم وينتفي بها النفاق والأثرة الشخصية، وتغلق بها منافذ العداوة البغضاء وانتهاك حقوق الإنسان، وأهمها الحقوق ضمن الوطن الواحد، فعندئذ يعجز الدخلاء والمتآمرون والمتسللون بالخيانة والإثم والعدوان عن أن يجدوا فجوة أو ملاذاً لشرورهم! وهل الإيمان الحق بالله رب العالمين في توصيفاته العظمى إلا توثيقاً لتآلف الناس المؤمنين جميعاً- إن كانوا مؤمنين- على مصداقية أداء الواجبات الخاصة والعامة بروح جماعية وبأريحية أخلاقية وبنوايا مخلصة لنتأهل لأمانة الحقوق ولحصانة عصمة الله تعالى لنا لنكون من ثم من عباد الله الذين لا خوف عليهم ولا على أوطانهم ولا على أعمالهم ومصالحهم ولا هم يحزنون؟! فقد قال الله عزّ وجلّ عن شرور الشياطين من الجن والبشر وأذيّات إبليس: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)..! إن المشكلة ليست بين الحق والباطل أو بين الخير والشر أو بين الصديق والعدو، فهذا قدر كوني لا يستطيع أحد أن يغير منه شيئاً، ولكن المشكلة إنما هي في النفاق المتلون منهما، وفي الغدر والخيانة وفي التعدي على حقوق الآخرين الخاصة أو الحقوق العامة بقوة تسلط ما أو في الغش والتحايل، فهنا الحرج وهنا الإشكال وهنا ضياع الثقة..، إن منهج (إبليس الرجيم) في الغواية والإضلال هو منهج واضح كما ذكره القرآن الكريم في مواضع متعددة من غير لبس أو تردد، ومن غير تقصير أو تبديل، وهذه المواضع توصفها آية قرآنية واضحة في قوله لله رب العالمين: (لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)، فهناك مظانّ عمله المحدد!.. أما الإنسان وخصوصاً في هذا الزمن فقد جعل مظانّ عمله وأقواله ومراميه ذات طبيعة ضبابية يغلب على من يراها الحذر والخوف وترقب الغدر وتوقع تغيير المواقف وإخلاف الوعود والعهود، وقد لا يتردد في أن ينتقم أو يغدر أو يعتدي على أقرب الناس إليه في أصوله أو فروعه أو حواشيه أو أعز أصدقائه أو أولياء نعمته ابتغاء حظوة ما أو إشفاء لغيظه أو تفريغاً لعقده.. هذه مشكلاتنا التي صنعت مواد أزمتنا وأضرّت بالوطن والناس والحرث والبلاد، فهل المصلحون في خضمِّ جهودهم قد أحدثوا أثراً نفسياً أو أخلاقياً أو عملياً إصلاحياً تصدّقه الثمرات فتنعم به الحياة؟!
إن عند المؤمن المطمئن بيقينه ودينه عن وعي وصدق وعطاء وحب للآخرين ابتغاء رضى الله تعالى لا توجد هذه المشكلات، وكيف توجد مشكلة عند من جاء في حقه بمصداقية: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)، وعند الذين قيل في أمرهم كما في القرآن: (  الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)..، إذن هذه هي المناعة الشخصية التي جعلتهم يكبحون جماح هذه المؤثرات، وهم الفاعلون في هذه الحياة..، ولكن أين هؤلاء اليوم؟!
(للحديث بقية في موضوعه)