إضاءات على قمة طهران الثلاثية.. بقلم: رفعت البدوي

إضاءات على قمة طهران الثلاثية.. بقلم: رفعت البدوي

تحليل وآراء

الاثنين، ١٠ سبتمبر ٢٠١٨

في السابع من الشهر الحالي عُقدت بالعاصمة الإيرانية طهران قمة رئاسية على مستوى الرؤساء جمعت كلٍ من الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان إضافة إلى وزراء الخارجية والدفاع للأطراف الثلاثة الضامنة لمقررات استانا المؤسس لما عرف بمناطق خفض التوتر في سورية.
ملف منطقة إدلب السورية كان الطبق الرئيس على طاولة المباحثات في قمة طهران حيث أدلى كل رئيس بدلوه مظهراً موقفه ورؤيته الخاصة بالإضاءة على النقاط التي من شأنها أن تُسهم في إسدال الستار على آخر فصول محاربة الإرهاب تمهيداً للإعلان عن إنهاء وجوده على الأرض السورية.
ومن خلال الاستماع لكلمات رؤساء الوفود واقتراحاتهم بدا واضحاً للمراقبين والمتابعين وجود تباين واختلاف في المواقف والرؤى خصوصاً حول ما ينتظر منطقة إدلب ومصير مجاميع التنظيمات الإرهابية الموجودة في تلك المنطقة في المواقف.
الرئيس الإيراني حسن روحاني شدد في كلمته على ضرورة استكمال محاربة الإرهاب في سورية حتى اجتثاثه تمهيداً لتأمين سبل نجاح المسار السياسي مضيفاً إنه يجب إنهاء دوامة العنف فوراً وإن طريق الحل في سورية يمكن أن يكون مرتكزاً على حل أزمات المنطقة وإن أي مفاوضات سياسية لحل الأزمة في سورية يجب أن يأخذ بالاعتبار سيادة الجمهورية العربية السورية والحفاظ على وحدة أراضيها مختتماً مداخلته الأخيرة بجملة لها دلالاتها المهمة حيث قال «إن مرحلة ما بعد إدلب هي المرحلة الأهم وهي منطقة شرق الفرات حيث توجد القواعد الأميركية وضرورة العمل على انسحابها من تلك المنطقة».
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ركز في كلمته على ضرورة استئصال الإرهاب من منطقة إدلب وعودة المدينة إلى كنف الدولة السورية مذكراً أن إدلب أرض سورية ومن حق سورية العمل على تحرير أرضها من فصائل الإرهاب بكل السبل المتاحة كما أن فلاديمير بوتين اقترح بعد الانتهاء من تحرير منطقة إدلب الانتقال للولوج في الحل السياسي والبدء في المباشرة في تأليف وإطلاق عمل اللجنة الدستورية تحت رعاية الأمم المتحدة مشدداً على الشروع في إعادة اللاجئين السوريين وتأمين عودتهم إلى مناطقهم في سورية، لافتاً إلى ضرورة إنعاش القطاعات الزراعية والاقتصادية والصناعية في سورية وذلك لتسهيل عودة اللاجئين السوريين والحفاظ على النسيج السوري.
إلى هنا لا نغالي إذا قلنا إن وجهات النظر والرؤى بين روسيا وإيران كانت متطابقة من جهة استكمال الحرب على الإرهاب حتى تحرير مدينة إدلب وعودتها إلى سلطة الدولة السورية والبدء بالانتقال إلى مرحلة الشروع بالحل السياسي والحفاظ على سيادة سورية ووحدة أراضيها.
أما أردوغان فكان له كلام آخر عبّر من خلاله عن موقفه ورؤيته التي تميزت بتباين واضح عن الموقف الإيراني الروسي وهذا ما أرخى بظلاله على تقييم نتائج القمة الثلاثية.
صحيح أن أردوغان دعا إلى احترام السيادة الوطنية السورية والحفاظ على وحدة الأراضي السورية لكنه أسف لعدم الحفاظ على مناطق خفض التوتر التي لم يبق منها إلا منطقة إدلب مضيفاً إن مصير إدلب مرتبط ليس فقط بسورية بل بالاستقرار في تركيا أيضاً، كما طالب أردوغان في كلمته بضرورة وقف جميع الهجمات في إدلب معللاً ذلك الطلب بأن هجوم الجيش العربي السوري على عليها سينتهي بكارثة إنسانية وسينتج عنه عشرات آلاف النازحين نحو تركيا مختتماً كلمته معلنا عن رفضه تحويل إدلب إلى بحيرة من الدماء كاشفاً نيته الإبقاء على مراكز القوات التركية في سورية ولو حُرِرت إدلب وانتهى وجود الفصائل الإرهابية فيها وأنه يؤمن بأن الحل السلمي سيكون أفضل للجميع.
في الملاحظات:
١) اللافت في القمة الثلاثية أنها المرة الأولى التي يسمح فيها لوسائل الإعلام المرئية بنقل كلمات الرؤساء والمداولات والمداخلات على اختلافها عبر الشاشات والقنوات الفضائية عكس ما جرى في القمم الثلاثية السابقة.
٢) تزامناً مع انعقاد القمة الثلاثية لوحظ اختفاء الهجوم والمواقف الحادة وتبادل الاتهامات التي سادت مؤخراً بين الجانبين الأميركي والتركي في محاولة أميركية لفرملة اندفاعة أردوغان نحو أحضان روسيا.
٣) تعمّد أردوغان في مداخلته الأخيرة تفخيخ البيان الختامي عبر الطلب بأن يصار إلى إدخال بند وقف إطلاق النار، الأمر الذي دفع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين للانتفاض وهو في حال من الامتعاض حين رد على أردوغان قائلاً لا نستطيع البحث بأي وقف لإطلاق النار لأننا في حرب مع الفصائل الإرهابية، ونحن هنا للتباحث ولا يوجد معنا أي ممثل عن الفصائل الإرهابية فلا يجوز إدراج هذا البند ولا يمكن أن نكون بدلاء عن الدولة السورية لأن القرار النهائي يعود للدولة السورية ولقيادة الجيش العربي السوري وختم بوتين كلامه بسؤال موجه لأردوغان: نحن نؤيد دعوتك الفصائل الإرهابية إلى إلقاء السلاح فهل تملك القدرة على إقناع الفصائل الإرهابية بتنفيذ دعوتك؟
إذاً السماح لوسائل الإعلام المرئية بنقل مداولات القمة لم يكن بريئاً حيث المراد إظهار المواقف علانية ما دفع أردوغان للإقدام على محاولة التفخيخ كإبراء ذمة أمام أميركا والناتو ليقول إنني أدّيت قسطي للعلا وحاولت مَنعهم أو إيقافهم لكني لم أنجح لأن توافق الموقفين الروسي والإيراني كان أقوى مني.
الكثير ممن راهنوا على استدارة بالموقف التركي نحو روسيا وإيران خاب ظنهم وأدركوا أن أردوغان يرقص على الحبال المشدودة بين أميركا وبريطانيا والناتو من جهة وبين سورية وروسيا وإيران كما ثبت لديهم أن أردوغان يختبئ خلف الشجرة بانتظار تحديد الوجهة التركية بعد ظهور نتائج لعبة شد الحبال.
الكمين المحكم الذي نصبته القوات الكردية الأسايش العاملة تحت إمرة القوات الأميركية المباشرة، وأسفر عن استشهاد 14 جندياً سورياً في القامشلي، جاء للتأثير أو لوقف العملية العسكرية ضد الإرهاب في إدلب وهو رسالة أميركية مباشرة ضمن رسائل أميركية قادمة لكنها ستبقى ضمن إطار الرسائل المحددة التي لا تسمن ولا تغني وهي محاولة لإفشال كل التراكمات السورية الروسية الناجحة في محاربة الإرهاب منذ العام 2014 ومن ثم إبقاء أدوات أميركا الإرهابية في سورية تمارس إرهابها لمنع انتصار سورية على الإرهاب وانتقالها إلى المرحلة السياسية فهل تستكين روسيا بوتين وتضحي بإنجازاتها في سورية؟
نخلص للقول إن مضمون كلمات الرئيسين الإيراني والروسي في القمة الثلاثية يقودنا للاستنتاج أن الآزِفة قد أزِفَت ليس لها كاشفة وأن الحرب على الإرهاب مستمرة حتى تطهير إدلب وإنهاء الأدوات الأميركية الإرهابية على كامل التراب السوري للانتقال إلى مرحلة ما بعد إدلب وإجبار القوات الأميركية على الانسحاب من شرق الفرات وعدم السماح لأي محاولة من شأنها قلب المعادلة لا بمسرحية الكيميائي ولا عبر الخوذ البيضاء لأن التصميم السوري الروسي الإيراني على إسدال الستار على وجود الإرهاب في سورية تماماً كما حصل في حلب وتدمر والغوطة، أمر لا فكاك منه مهما كانت التضحيات. تبقى الإشارة إلى أن أردوغان سيبقى المراوغ المخادع الأكبر ولا يمكن الركون إليه وقريباً ستتبخر أحلامه ونياته التوسعية وسيجني نتائج ما اقترفه من جرائم حرب وتهجير في سورية.