الألمان مستاؤون من تعاطي الحكومة مع قضية اللاجئين

الألمان مستاؤون من تعاطي الحكومة مع قضية اللاجئين

تحليل وآراء

الأربعاء، ١ أغسطس ٢٠١٨

شهد هذا الصيف تحولاً في السياسة الخاصة باللجوء، وفي أسلوب التعاطي مع هذه المسألة. ولفهم هذا التحول يتطلب من المرء العودة إلى نقطة الانطلاق التي بدأ معها كل شيء.
استمر التعامل الليبرالي مع القضية طوال أربعة أشهر، منذ أن قررت أنجيلا ميركل في الرابع من أيلول 2015 فتح الحدود، وحتى الثالث من كانون الثاني 2016 عندما تمّ الإعلان عن أحداث احتفالات رأس السنة حيث انتشرت أنباء سلبية عن طالبي اللجوء.
وكانت تغطية أحداث العنف مرتبطة بقانون الصحافة الذي نصّ على عدم تسليط الأضواء بشدة على أعمال العنف التي يقترفها أشخاص ينتمون إلى أعراق أجنبية وهو أمر تناساه الجميع تقريباً، حيث إن الصحافة عبّرت عن انشغالها بالحدث، ومن الوارد أن تكون ساهمت في نشر أحكام مسبقة ضد الأقليات.
ومنذ الرابع من كانون الثاني 2016 أي منذ أكثر من واحد وثلاثين شهراً سارت الأمور في الاتجاه المعاكس، حيث لم تعد الصحافة ترحب بالأخبار الإيجابية عن اللاجئين، وبالمقابل صارت وقائع العنف تحظى باهتمام خاص خصوصاً عندما يكون الفاعل من أصول إسلامية.
أجل ثمة شيء قد تغيّر، ففي شهر حزيران 2018، لم يكن دور وزير الداخلية هورست زيهوفر كبيراً في هذا التغيّر الذي حدث خلال قمة اللاجئين التي عُقدت في مدينة بروكسل في الرابع والعشرين من حزيران، وتمّ فيها تبني تغييرات حاسمة تحت ضغط بلدان أوروبا الشرقية، وكذلك النمسا وإيطاليا اللتان يشارك في حكومتيهما أحزاب قومية يمينية. دعا ممثلو هذه الدول إلى إقامة مراكز إيواء مغلقة للاجئين، وإلى إغلاق الحدود الخارجية، وبهذا يكون الاتحاد الأوروبي قد خطا خطوة كبيرة باتجاه تقييد حركة طالبي اللجوء. انقلبت الأمور، فبعد أن كان التركيز خلال الشهور الأربعة الأولى من عام 2015 على الجوانب الإنسانية على حساب المراقبة، لم يعد الكثيرون يرون في تحصين أوروبا خطراً بل هدفاً وهذا ينطبق أيضاً على كاركوس زودر –رئيس وزراء بافاريا-.
لقد تمّ إنجاز عملية تغيير الأولويات فيما يتعلق بالسياسة الخاصة باللاجئين التي صار فيها تيار رئيسي جديد يضم سياسيين من الوسط وحتى أقصى اليمين، وسيكون لهذا التغيير تداعيات لا تقتصر على الراغبين باللجوء بل وتشمل أوروبا.
ففي المقام الأول سيؤدي عجز السياسة تجاه اللاجئين وما يترتب على ذلك من عمليات ترحيل، والهجرة غير الشرعية وتراجع حالة التضامن في أوروبا، إلى قطع الطريق في المستقبل على أي سياسة ليبرالية، حيث يرجح تبني سياسة متشددة نتيجة التناقضات الداخلية. وينطبق هذا على الأخطاء التي قد ترافق عمليات الترحيل وكذلك الصعوبات في تطبيق مشاريع أنصار التشدد في السياسة تجاه اللاجئين الذين يطالبون بإقامة مراكز تجميع لطالبي اللجوء في شمال أفريقيا لأنه حتى المواقف الحازمة تتطلب قدراً ما من الأخلاقيات.
ومن الوارد أن يقول ممثلو التشدد إن التيار الرئيسي المتسق في أوروبا لن يستمر طويلاً، كما لو أنه يواجه بشجاعة خطاب اليسار أو الليبراليين الموحد حيث لا يمكن للمرء الجمع بين الحوار الراقي ودغدغة مشاعر التمرد.
وفي المحصلة يمثّل هذا التغيير فشلاً لسياسة قبول اللاجئين والتعامل معهم بليبرالية، ولكن هكذا تعمل الديمقراطية، فاليوم يتقدم المشهد تيار ما وغداً يتسيّد المشهد تيار آخر. ويبدو أن هذا الصيف القاسي يحمل إشارات في اتجاه آخر دون أن يعني أن المجتمع صار أقل انقساماً عما كانت عليه الحال قبل ثلاث سنوات، وكل ما في الأمر هو تغيّر شكل الانقسام.
وهنا ثمّة سؤالان يفرضان نفسيهما: هل ما زال هناك حدّ أدنى من التوافق فيما يتعلق بالسياسة تجاه اللاجئين؟ وأين هي حدود عملية التحصين؟ حيث يبدو أن هناك الكثيرين ممن يريدون الحفاظ على الوجه الإنساني لأوروبا.
وكما كانت عليه الحال في الأشهر الأربعة الأولى من 2015 عندما طُرح تساؤل عن مدى سذاجة سياسة الحدود المفتوحة، يتوجب اليوم على المرء الحديث عن سذاجة إجراءات التشديد.
لقد تمّ وقتها، افتراض أن السياسة الودية تجاه اللاجئين ستطلق ديناميكية يصعب التحكم بها، وهذا ينطبق أيضاً على إجراءات التشدد، فمن يتحكمون بتشديد الإجراءات عاجزون عن التحكم بديناميكية سياستهم الخاصة. وقد شهد عام 2015 صدور تحذيرات من أن تدفق اللاجئين سيغيّر طبيعة أوروبا، وهذا يصح أيضاً بالنسبة للتوجه المعاكس لأن تحصين أوروبا سيفرض تغييرات حتمية، حيث إن الأسوار تتطلّب عقلية منسجمة معها لأن الحياة في قلعة تنتهي عند أسوارها.