الجامعة العربية: إما جامعة دول قومية وإما انشقاق قريب! .. بقلم: علي حمية

الجامعة العربية: إما جامعة دول قومية وإما انشقاق قريب! .. بقلم: علي حمية

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٦ يونيو ٢٠١٨

جاءت دعوة الأمينة العامة لـ «حزب العمال» الجزائري لويزة حنون، الحكومة الجزائرية إلى تجميد عضوية الجزائر في جامعة الدول العربية لاستحالة جلوس مندوب الجزائر، بلد المليون ونصف المليون شهيد، على طاولة واحدة، مع مندوبي دول خائنة كالسعودية و«بقية الخونة العرب»، على ما جاء في تصريحها الأخبار في 25 أيار/ مايو 2018 ، لتثير عاصفة ردود متفاوتة، اعتراضاً وتأييداً، في المجال الجزائري، ولتطرح على بساط البحث، على امتداد العالم العربي كله، نقاشاً جدّياً حول إمكانية بل وجوب تأسيس منظمة جديدة تؤطر العمل العربي المشترك، متحرّرة من الهيمنة المصرية والخليجية. وإذا لم تكن دعوة حنون هي الأولى من نوعها، إذ سبقتها دعوات كثيرة، فهذا لا يقلل من أهميتها، لكونها تدق النفير العام، والعالم العربي، اليوم، يواجه ظروفاً عصيبة تشترك دول عربية في خلقها وتسعير نيرانها.
في شهر أيلول/ سبتمبر 2011، ولم يمضِ على الحرب العدوانية على سورية/ الشام سوى أشهر معدودة، دُعي وزراء الخارجية العرب إلى اجتماع طارئ في القاهرة لبحث التطوّرات الجارية في سورية، وتصدّرت الدعوة دويلات مجلس التعاون الخليجي، وفشل هذا الاجتماع حتى في إصدار بيان ختامي يُلبّي رغبة هذه الدويلات – المشيخات في إدانة الدولة السورية، مكتفياً بتكليف الأمين العام للجامعة الذهاب إلى دمشق في مهمة حدّدت دمشق موعدها وموضوعها. وربما حدّدت أيضاً فحوى التصريح الذي أدلى به الأمين العام للجامعة فور انتهاء زيارته.
مذّاك، وفي إثر هذا الاجتماع، بدأ «لوبي» سياسي عربي معارض للهيمنة المصرية/ السعودية يتشكل داخل مجلس الجامعة وخارجه، محوره مجموعة دول بلاد الشام والعراق، بالإضافة إلى الجزائر.
ولكن هذا المحور المعارض للتدخل الأجنبي في شؤون العالم العربي لم يرتقِ، حتى اليوم، إلى مستوى محور جدّي، على الرغم من التطورات الدراماتيكية، حيناً والتفاؤلية حيناً آخر التي شهدتها وتشهدها المنطقة العربية، ولذلك، فإنّ المطلوب، اليوم، أن يبادر هذا المحور، مقتدياً بمحور المقاومة الذي شكّل نواته الأولى، في طرح تصوّر جديد للتضامن العربي يرتكز إلى دور الجامعة كإطار للعمل العربي المشترك، وعلى ضرورة الحفاظ على هذا الإطار وتطوير أسس عمله في إطار التوجّهات الواقعية الراهنة التي تعمل لبناء وحدات اقتصادية في العالم العربي تقوم على محاور/ متحدات/ جغرافية هي: الهلال الخصيب، الجزيرة العربية، وادي النيل والمغرب العربي الكبير، تمهيداً لقيام الدولة القومية في كلّ متحد من هذه المتحدات الأربعة، على حدة، وإرساء قواعد التضامن العربي الحقيقي بين هذه المتحدات، مجتمعة. هذان التوجّهان: الوحدة القومية من جهة، والتضامن الحقيقي من جهة ثانية، اللذان يُفترض بالجامعة العربية، منذ تأسيسها، العمل على تنفيذهما، هما الركيزة الأساسية في العمل النهضوي العربي الهادف الى الارتقاء بالعرب من حالة الانقسام والتشرذم التي أفقدتهم حيويتهم وأضاعت جهودهم وعطلت بالتالي إمكانات النهوض لمواجهة التحدّيات المعاصرة، وأبرزها تحدّي التنمية ومخاطر الهيمنة في ظلّ العولمة الجديدة.
وإذ نضع أمام ناظر التكتل الإقليمي الجديد الذي نأمل أن يبدأ في تنظيم نفسه، مستفيداً من التطورات الإيجابية الجارية، قومياً وإقليمياً ودولياً، تجربة دول الاتحاد الأوروبي وتجربة الوحدة الأوروبية، نؤكّد الدور الأساسي للاقتصاد في بناء الوحدات القومية، ونرى أنّ من أكبر عيوب التجارب الوحدوية العربية السابقة أنها لم تُعِر دورة الحياة الاقتصادية الأهمية التي تستحقها ولم تُولِ اهتماماً للتكامل الاقتصادي بين الأقطار المعنية بمشروعات الوحدة.
وبناء عليه، فإننا نرى أنّ من أولويات العمل القومي الذي يجب أن يتنكّب لها التكتل الجديد الدعوة إلى إيجاد سوق مشتركة في نطاق البيئة الجغرافية الطبيعية، تُزال فيها الحواجز أمام السلع وحركة الرساميل والأشخاص. الأمر الذي يساعد على بناء مؤسسات اقتصادية كبرى تُسهم في عمليات التنمية، ويُعمّق الانتماء القومي ويُركّزه على أسس حياتية واقعية.
وفي هذا الإطار، وكخطوة أولى تمهيدية على طريق قيام سوق عربية جامعة مشتركة، فإنّ الجامعة العربية مدعوّة إلى تسهيل قيام سوق مشتركة في كلّ من متحد الهلال الخصيب تطوّر العمل التعاوني بين لبنان وسورية/ الشام إلى مستوى الوحدة الاقتصادية المنفتحة على الأردن والعراق وفلسطين المحرّرة، وإلى قيام سوق مشتركة في وادي النيل تجمع مصر والسودان وتؤالف بين الثروة البشرية المصرية والموارد الطبيعية الهائلة في السودان، وبعث الاتحاد المغاربي وتطوير عمله باتجاه قيام وحدة اقتصادية توقف النزيف البشري الذي ترتّب على الحوادث الجارية في تونس وليبيا وتقوّي موقف دول هذا الاتحاد في حوارها مع الاتحاد الأوروبي، على أن يأخذ هذا الاقتراح الذي نسوقه في الاعتبار:
1 ـ رفض مركزية مؤسسة «الجامعة العربية» مقراً وأميناً وأمانة عامة ، فى مصر، حصرياً، فهذه المؤسسة العربية الإقليمية التي تخضع، منذ تأسيسها، لتوجيهات السياسة المصرية وتعمل وفاقاً لمصالحها، عكست في صيغتها ونظامها الأساسيين الواقع العربي حينذاك. الأمر الذي يبعث، اليوم، على الحاجة إلى نظام جديد لهذه المؤسسة يُعيد صياغة أهدافها وآلية عملها» كما صرّح، بهذا المعنى، الأمين العام السابق الدكتور نبيل العربي، انطلاقاً من التطورات الكبيرة التي يشهدها العالم، لا سيّما تجربة التكتلات الإقليمية المعاصرة، خصوصاً الاقتصادية منها.
2 ـ إنّ الدول العربية التي بدأت في التحرّر من الطوق المصري – السعودي المُطبِق على «الجامعة العربية» والتي تشكل سورية/ الشام قاعدتها الأمامية مدعوّة الى تطوير مهمة «الجامعة» باتجاه الدعوة الى قيام وحدات كبرى في العالم العربي، بوصفه مجموعة متحدات طبيعية، وذلك في إطار خطّة توحيدية ترتقي بالعمل العربي المشترك إلى مستوى الفضاءات فوق القومية والكتل الدولية العظمى، فتكون «الجامعة» جامعة دول قومية لا جامعة دول كيانية متخاصمة، بعضها ذات وظيفة تاريخية محدودة.
3 ـ كما أنّ هذه الدول مدعوّة ـ في جملة ما هي مدعوّة الى القيام به ـ الى إجراء تشريعات جديدة في نظام الجامعة تنصّ على تبديل الأمين العام كلّ سنة، وتغيير مقرّها كلّ سنة، فتقيم سنة في دمشق مركز إقليم الهلال الخصيب وسنة في مكّة مركز إقليم الجزيرة العربية وسنة في القاهرة مركز إقليم وادي النيل وسنة في الجزائر مركز إقليم المغرب العربي إلخ… هذا إذا كانت «الجامعة» قد أنشئت لتسهيل نمو أقطار العالم العربي وللتعاون على ما فيه مصلحة هذه الأقطار، وليس لخدمة السياسة المصريّة، والسياسة السعودية اليوم، ودعم النفوذ المصري والسعودي في العالم العربي.
4 ـ وإذا لم تتمكن هذه الدول من تحقيق هذه المهمة، فلا يبقى أمامها – كدول رافضة للتدخل الأجنبي – إلاّ الدعوة إلى طرح الثقة بهذه الجامعة الكسيحة والمرتهنة لمصر والسعودية، وإعلان انشقاقها عنها، وتأسيس جامعة جديدة تتنكّب مهام العمل العربي المشترك الأمر الذي يستجيب، في اعتقادنا، لانتصار الواقعية العلمية على النزعات الرومنسية والسياسات الجامحة التي تحكّمت – ولا تزال – في الفكر السياسي العربي منذ أربعينيات القرن الماضي.