دوافع التحرك الأميركي «القبيح» في حراك تشكيل الحكومة العراقية

دوافع التحرك الأميركي «القبيح» في حراك تشكيل الحكومة العراقية

تحليل وآراء

الاثنين، ١٨ يونيو ٢٠١٨

 أحمد ضيف الله
شهد العراق منذ إعلان نتائج الانتخابات النيابية شبه النهائية، التي جرت في الـ12 من أيار الماضي، حراكاً سياسياً واسعاً ومفاوضات بين الكتل الفائزة في الانتخابات، لتشكيل الكتلة النيابية الأكبر التي تسمي رئيس الحكومة الجديد.
ونظراً لعدم فوز أي كتلة انتخابية بأغلبية مطلقة، حيث إن فوز كتلة «سائرون» المدعومة من مقتدى الصدر بأكبر عدد مقاعد المجلس النيابي، لا يعني تمكنها بشكل تلقائي أن تختار رئيس الحكومة المقبل.
وعلى الرغم من كثافة تلك اللقاءات وضبابيتها، من أجل الوصول إلى الكتلة الأكثر عدداً، إلا أنها لا تكاد تخرج عن كونها لقاءات أولية بروتوكولية لأغراض جس النبض.
إن أبرز تقارب يمكن الحديث عنه اليوم، هو بين مقتدى الصدر (54 مقعداً) ورئيس «ائتلاف النصر» حيدر العبادي (40 مقعداً)، ورئيس «تيار الحكمة» عمار الحكيم (19 مقعداً)، في مقابل تحالف آخر بين «ائتلاف دولة القانون» برئاسة نوري المالكي (25 مقعداً) و«تحالف الفتح» برئاسة هادي العامري (47 مقعداً)، وكلا التحالفين غير المعلنين سيسعى إلى كسب حلفاء سنّة وأكراد للوصول إلى الكتلة الأكثر عدداً.
إن ما ينتظر الكتل السياسية الفائزة بالانتخابات مفاوضات شاقة لتشكيل الحكومة المقبلة، حيث تحتاج الكتلة الأكبر إلى تحالفات واسعة لتأمين (165) نائباً تؤهلها تشكيل الحكومة المقبلة باختيار رئيس للوزراء، الذي عليه التفاوض لتشكيل حكومة ائتلافية كي تحظي بالأغلبية النيابية.
وبالتوازي مع ذاك الحراك، بدأ تحرك أميركي مبكر، لمناقشة شكل الحكومة المقبلة مع القوى السياسية الفائزة بالانتخابات النيابية، حيث أجرى الممثل الخاص للرئيس الأميركي في التحالف الدولي للحرب على الإرهاب بريت ماكغورك والسفير الأميركي في العراق دوغلاس سيليمان اتصالات مكثفة مع القوى السياسية العراقية، منذ الـ13 من أيار الماضي، أي بعد يوم واحد من انتهاء العملية الانتخابية، ومازالت مستمرة، شملت بشكل خاص اتصالات مكثفة مع الأحزاب السياسية الكردية لحثها على التوحد، وترتيب تفاهمات مشتركة فيما بينها لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة، وبخاصة أن الولايات المتحدة الأميركية تتمتع بعلاقات مميزة مع القوى الكردية، وخصوصاً الحزبين الأساسيين «الحزب الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني»، إضافة إلى تأثيرها في قوى سنيّة مثل «ائتلاف الوطنية» برئاسة أياد علاوي، و«تحالف القرار العراقي» برئاسة أسامة النجيفي بشكل مباشر، أو عن طريق دول خليجية كالسعودية والإمارات.
إن الولايات المتحدة الأميركية تنشط في وضع كل ثقلها في العراق لتقرير ماهية التحالفات التي ستحدد شكل وتوجه الحكومة المقبلة، وهو ما ينبئ عن أن التقاطعات والتدخلات الإقليمية والدولية ستكون حاضرة بقوة في ملف تشكيل الحكومة المقبلة، ولعلّ من أهمّ دوافع التحرك الأميركي، بحسب ما تروج له، هو موازنة النفوذ الإيراني في العراق، إذ إن «كثيراً من الناس في العراق ودول أخرى لديهم مخاوف حيال نفوذ إيران في دول عدّة مختلفة، وهذا دائماً مصدر قلق بالنسبة إلينا»، بحسب تصريح المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر ناورت في الـ15 من أيار الماضي.
إن واشنطن، ومن خلال لقاءاتها شبه اليومية مع القوى السياسية العراقية، تسعى إلى إشعار طهران بأن لها كلمة في رسم ملامح الحكومة المقبلة، وأنها قادرة على عرقلة وتخريب تشكيل الكتلة الأكبر، فهي تحاول بكل ثقلها العمل على إبعاد أو تحجيم تحالف «الفتح» برئاسة هادي العامري الممثل لـ«الحشد الشعبي»، والفائز بقوة 47 مقعداً، من المشاركة في العملية السياسية المقبلة، ليتوافق ذلك مع مصالحها ومخططاتها للهيمنة على العراق والمنطقة، حيث أحيل مؤخراً مشروع قرار إلى مجلس الشيوخ الأميركي لإقراره، مقدم من قبل عضوي الكونغرس ترينت فرانكس وبراد شيرمان، يصنف فيه ثلاثة فصائل من قوات الحشد الشعبي كمنظمات إرهابية، ما دفع الناطق باسم قوات الحشد الشعبي أحمد الأسدي إلى القول في مؤتمر صحفي عقده في مبنى المجلس النيابي في الـ2 من حزيران الحالي: «ندين مشروع القرار الذي يعتزم الكونغرس الأميركي إصداره بحق قوى سياسية وطنية، شاركت في مواجهة الإرهاب الداعشي، وحمت البلاد من أعتى موجة للتكفير والتطرف شهدها العراق والمنطقة العربية والشرق الأوسط»، معتبراً أن «اتهام تلك القوى التي تحولت إلى كتلة في مجلس النواب العراقي، وإلى جزء حيوي في العملية السياسية، يعد عدواناً واضحاً على خيارات الأمة، واستهدافاً لقواها».
كذلك تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى فتح قنوات اتصال مع مقتدى الصدر، مستغلة علاقات السعودية والإمارات والكويت الطيبة معه، وما أعلنه الصدر في تغريدة له في الـ14 من أيار الماضي، حيث عدد الكيانات السياسية الراغب في التحالف معها، مستثنياً رغبته التحالف مع «ائتلاف دولة القانون» برئاسة نوري المالكي، و«تحالف الفتح».
وعلى الرغم من انزعاج مقتدى الصدر من وجود المبعوث الأميركي داخل العراق ومن تدخلاته في تحديد مسار العملية السياسية للمرحلة القادمة، حيث قال في الـ16 من أيار الماضي: إن «القبيح في البيان هو تدخله في الشؤون العراقية»، وأنه «إذا استمرت صار وجوده قبيحاً في العراق».
أكد مدير المكتب السياسي للتيار الصدري ضياء الأسدي في الـ23 من أيار المنصرم، أنه «لا وجود لأي قنوات اتصال مع الأميركيين ولاسيما أنهم يرسلون وسطاء لكننا نرفض الجلوس والتعاون معهم حتى عبر هؤلاء الوسطاء». كرد على ما نقلته وكالة «رويترز»، في تقرير لها من أن «مسؤولاً أميركياً أكد لها وجود اتصالات من هذا النوع» مع مقتدى الصدر.
وفي ظل تقارب عدد مقاعد الكتل الفائزة، والظروف الدولية والإقليمية الحاصلة، وتداعيات قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، فإن الفائز بتشكيل الحكومة المقبلة، عليه التعامل مع حالة الصراع بين واشنطن والدول الخليجية المتحالفة معها من جهة، وإيران من جهة أخرى، بحذر شديد، ما يمنع تعرض العراق مجدداً لهزات سياسية وأمنية عنيفة، مشابهة لأجواء تشكيل الحكومة عام 2014، التي مهدت لظهور تنظيم داعش الذي اجتاح مناطق واسعة من العراق، بعد نحو شهرين من تشكيل الحكومة، برعاية وتسهيل ودعم أميركي وقطري وسعودي وإماراتي وتركي، إذ إنه على الرغم من أن انتخابات المجلس النيابي في دورته الثالثة التي جرت في الـ30 من نيسان 2014، والتي أعلنت نتائجها في الـ19 من أيار 2014، بحصول رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي على 92 مقعداً، لم يتمكن المالكي في حينها من إتمام تشكيل حكومته، رغم عدد المقاعد التي حصل عليها، بسبب الصراع بين القوى الفائزة والتدخل الفاضح والمشبوه الذي لعبته الدول الخليجية، وخصوصاً قطر والسعودية، بدفع أميركي، التي عرقلت جهود المالكي بتشكيل وزارته، وسهلت قيام تنظيم داعش في الـ10 من حزيران 2014، باحتلال كامل مدينة الموصل، وارتكابه عدداً من المجازر، كان من أبشعها مجزرة قاعدة سبايكر الجوية في مدينة تكريت بمحافظة صلاح الدين، التي راح ضحيتها نحو 1907 من طلاب القوة الجوية دفعة واحدة، وهو ما أدى بالنتيجة إلى استبعاد المالكي من تشكيل الحكومة، وتكليف حيدر العبادي رئيس الوزراء الحالي، الذي شكل حكومته في الـ8 من أيلول 2014.
إن العراقيين وبمختلف تصنيفاتهم السياسية أصبحوا اليوم على ثقة، بأن ما حل في بلدهم من خراب ودمار وسقوط لمئات الآلاف من الشهداء، كان بسبب التدخل والتآمر الأميركي والخليجي في قرارهم السياسي عام 2014. وهم اليوم أكثر وعياً وحرصاً على بلدهم، وأكثر عزماً على إفشال مساعي أعداء العراق في تحويل بلدهم مجدداً إلى ساحة للصراع الدولي، من خلال استثمار الصراع الدائر لتشكيل الحكومة الجديدة.
ووسط التوترات الإقليمية والدولية، يتوقع أن تكون مفاوضات تشكيل الحكومة بين الكتل النيابية الفائزة معقدة وصعبة، ما يعني أنها قد تستمر أشهراً، إلا أن خيار الموافقة على تسويات وسط، كاستمرار حيدر العبادي في رئاسة الوزراء لدورة ثانية، سيكون مرجحاً، وخاصة أنه نجح على وجه الخصوص في إدارة المصالح المتنافسة للولايات المتحدة وإيران خلال ولايته بحيادية ملموسة خلال ولايته الأولى.
الوطن