الاستقرار.. وموقع الرئاسة المصرية.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

الاستقرار.. وموقع الرئاسة المصرية.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الاثنين، ١٩ فبراير ٢٠١٨

خلال السنوات السبع الماضية غيرت مصر ثلاثة رؤساء، اثنين أساسيين والثالث تكليفاً، وسبع حكومات، وهو العدد نفسه الذي احتاجت لـ59 سنة لكي تفعله ما بين عامي 1952 و2011.
نحن هنا لا نسوق الفكرة السابقة للقول إن إحدى المرحلتين إيجابية والأخرى سلبية، أو للقول إن الرؤساء في المرحلة الأولى كانوا أقدر في تعاطيهم مع الواقع فنجحوا في بسط الاستقرار على حين أخفق الثلاثة أحفادهم في تلك المهمة، فكانت الفوضى، فالأساس في الموضوع هو ما الذي جرى لكي يحدث ذلك؟ وبعدها لينظر كل ذي بصيرة ويحدد أيهما كان أفضل لمصر وللشارع المصري؟
ما جرى في مصر في 25 كانون ثاني 2011 فصاعداً سواء أكان بفعل خارجي أم بفعل داخلي أم بالأثر المزدوج لكليهما، هو ضرب مفاصل ومرتكزات الاستقرار في المجتمع المصري ثم تركت رهناً لتفاعلات واقع مأزوم دون محاولة التحكم بها أو حتى توجيهها، ما يعطي دليلاً قاطعاً على وجود فعل تخريبي أياً تكن أدواته أو موجباته، وربما كان ذلك لإيهام الشارع المصري بأن ما جرى هو «ثورة» الأمر الذي يفترض حدوث تحول جذري في منظومة الاقتصاد والسياسة بل في منظومة القيم والأفكار السائدة أيضاً، على حين إن ما جرى لم يكن أكثر من انفلات لصمام الأمان حدث بعد حالة احتقان قصوى فكانت الفوضى وهشاشة الوضع الأمني مما لا يزال حاضراً إلى الآن، وما يجري في مصر اليوم ونقصد به منذ أن تم الإعلان عن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في آذار المقبل إلى الآن، أمر يبدو وكأنه غير عادي أو غير متوقع، على حين يمكن الحكم عليه بعكس ذلك إذا ما كان المعيار الناظم له هو البحث عن الاستقرار المفقود، فالديمقراطية ليست وصفة ناجعة لكل المجتمعات أقله عبر نسختها الغربية أو الأميركية، وهي لا يمكن أن تأتي بكبسة زر أو نتيجة لأماني أو أحلام يتبناها أناس معينون، وإنما تأتي نتيجة لحالة احتياج مجتمعية تتحدد عبر وصول طبقات المجتمع إلى درجة عالية من النضج تصبح فيها مضطرة بشكل أو بآخر للاحتكام إلى القوانين والتشريعات السائدة، ولذا فإن ما يجري اليوم في مصر هو حالة طبيعية لأن القائم بالفعل يرى أن هذه هي الطريقة الوحيدة لفرض الأمن والاستقرار من جديد، وهو ما يجب أن تتفهمه الأحزاب والقوى الوطنية المصرية والتعاطي معه بروح المسؤولية، وهذي ليست دعوة للاستكانة أو القبول بالأمر الواقع، لكنها دعوة لمنع استخدام المصطلحات الرنانة مثل الديمقراطية وسيلة لضرب الاستقرار وسيادة الفوضى، وبين هذا وذاك يجب أن تكون هوامش الفعل السياسي الوطني بعيداً عن القوى والأحزاب التي تتحرك بفعل وأوامر خارجية، إلا أن ما يلفت النظر فعلاً في هذا السياق هو حالة التشنج السياسية المفرطة والبادية على الفعل السياسي الذي تمارسه القيادة السياسية أو رأس هرم السلطة فيها، وهو ما ظهر بوضوح بالغ في اعتقال رئيس حزب «مصر القوية» عبد المنعم أبو الفتوح قبل أيام، فالرجل قام بقطع علاقاته مع تنظيم الإخوان المسلمين منذ سنوات، والأجهزة الأمنية المصرية تدرك ذلك بالتأكيد، ثم أنه كان مؤيداً بقوة لحراك 30 حزيران 2013 الذي انبثقت عنه السلطة المصرية الحالية، وهذي الحالة التشنجية، يمكن فهمها على أن السلطة في لحظة من اللحظات تصبح شديدة الحساسية تجاه أي ملمح أو حراك سياسي ترى فيه أمراً قد يشد بالأبصار بعيداً عنها على خلفية شعور بهشاشة الوضع أو المرتكزات التي تستند إليها في بقائها في سدة السلطة، إلا أن تنامي تلك الحالة بشكل مضطرد أمر له العديد من المحاذير والمخاطر الداخلية منها والخارجية، صحيح أن هناك حالة صمت دولي تجاه ما يجري في مصر وهي دليل على وجود رغبة خارجية باستقرار مصر بأي شكل من الأشكال، وربما كانت هذي الحالة ناجمة بالدرجة الأولى عن مطالب شركات التنقيب واستخراج الغاز فقبيل شهرين جرى تدشين ما قيل إنه أحد أكبر حقول الغاز في العالم وهذا يبشر باكتشافات أخرى لا تقل أهمية، إلا أن شريطة النجاح فيها هو الاستقرار السياسي بالدرجة الأولى، لكن على الرغم من ذلك يمكن لهذي الحالة الأخيرة أن تظل تشكل صمام أمان إلى درجة محددة يصبح بعدها الخارج ضعيف الحيلة تجاه داخل يرى أن الفوضى والاستقرار سيان بالنسبة إليه فيما يخص انعكاسهما على حياته المعيشية.